م. بدر بن ناصر الحمدان
الحديث هنا ليس عن لوحة العشاء الأخير لليوناردو دافنشي ذات الوعي الإنساني الباذخ، بل عن عشاء أخير سيبقى في ذاكرتي، بعده تركت ورائي جلّ معتقدات كانت لتأخذني لذلك الوراء، كانت فرصة لا تعوض لبدء مسافة جديدة من الرحلة.
قبل فترة، كنت أمرّ بفترة معنويات فاترة وحالة من الإحباط الناعم على إثر مراجعة قائمة الأمنيات التي لم يتسنَ لي إنجازها أو القيام بها وبدأت أفقد حينها شيئاً من شغفي بها مع مرور العمر والوقت ومشاغل العمل، صادف ذلك تواجدي في رحلة عمل خارجية، التقيت خلالها مع سيدة فرنسية من أصل لبناني وهي أستاذة وباحثة في الجامعة وتعمل مستشارة في عدد من الجهات، دعتنا مع زملاء لزيارة مجلس الشيوخ وتناول العشاء حيث يعمل زوجها عضواً ونائباً.
بالرغم أن هذه السيدة تقترب من تجاوز السبعين عاماً من عمرها، إلا أنها مفعمة بالحياة بشكل مُبهر جداً، ولديها حب وإقبال للحياة لا مثيل له، فبالرغم من رصيدها العلمي والعملي وسيرتها الذاتية الحافلة بالإنجازات إلا أنها تمتلك رغبة لافتة في الذهاب إلى الأمام والتخطيط لإنجاز مهام وأعمال وأبحاث وتأليف عدد من الكتب والقيام برحلة حول العالم لاكتشاف التراث الإنساني والتعرف على ثقافة الشعوب، ناهيك عن حياتها التي تحدثت عنها باعتزاز كبير نظير قيامها بواجباتها تجاه عائلتها ومجتمعها ومحيطها على أكمل وجه، وكونها ناشطة في العديد من الجمعيات والمنظمات والأندية الثقافية، كانت تروي لنا مواقف ومحطات ملهمة من حياتها، جعلتني أتناول طبق شرائح لحم الماعز البارد والقرنبيط المشوي دون أن أشعر.
بعد قضاء تلك الأمسية الغارقة بالتفاؤل، ودعنا تلك السيدة المسكونة بكل ما هو إيجابي، بعد أن غرست بداخلي رغبة جادة في استعادة ما كنت عليه من شغف بتحقيق أمنيات لطالما كنت آمل تحقيقها، إذ لم يفت الأوان بعد.
اختلطوا بمن يدفع بكم إلى الأمام، ويمنحكم جرعة من حياة وأمل، لربما تستعيدون به آمالاً هاربة أو أشياء بداخلكم لم يكتب لها النجاة.