د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
لابد ونحن نمر بمرحلة من مراحل الحصاد للمنتج التعليمي في العام الدراسي الحالي أن ننظر بعين ثاقبة إلى جوهر التعليم من خلال النتائج حيث المنهج الدراسي وما يتم زرعه وسقيه في عقول المتعلمين؛ ومن ثَمَّ تفحّص السياسات التعليمية المُنَفَذة في مجملها وتفاصيلها، فالمخرجات من ذلكم الحصاد هي ما يجب الاحتكام إليه حول الوزن التعليمي الماثل في مدارسنا؛ والجهد التعليمي المُنَفَّذ وما تبثُّهُ البيئات التعليمية الذي يحتاج حتمًا لمزيد من التخطيط لإعادة تشكيل عقول الأجيال ليكونوا أعمق وعيًا، وأكثر نفعًا؛ وتحليل المخرجات للوصول إلى الأبواب المغلقة في النظام التعليمي، وهنا تظهر المعايير الحقيقية لقياس جودة التعليم بكل شفافية ووضوح، وحيث نلاحظ تطورًا ملحوظًا في الوعي المجتمعي صنعته عوامل عديدة أبرزها وسائط التواصل الإعلامي المجتمعي مما يحتم تطوير وسائط التعلم والسياسات التعليمية؛ وذلكم أولوية تنموية يجب الالتفات لها، فأكثر ما نخشاه أن تكون المدرسة محطة عابرة من المحطات التي يمر بها الطلاب في تطورهم الزمني وليس العقلي؛ وأن يستقر في أذهانهم عبور تلك المحطة بأقل الأضرار والجهد! وأن تتلبسهم المنافسة في أبسط مستوياتها للحصول على درجات التقييم المنهمرة في كثير من الأحيان في ظل غياب تام لتصور المستقبل ومتطلباته والمراهنة عليه! وتقاصر القدرة على الاحتفاء بالنهايات، فقد يواجه الطلاب صعوبة في رسم حدودهم عندما تهطل عليهم طاقات الفكر! ومن هنا أجزم أن الاحتواء الأمثل للطلاب، وتفقد عمق الفهم عندهم لمحتوى المقررات وإتقان تطبيقات المنهج؛، كفيل بأن لا يغادر الطلاب محطاتهم وهم ناقمون على واقعهم؛ وجميع ذلك يجعلنا لا نحتاج إلى أن نقذف التهم عند أي تقصير في التحصيل أو السلوك نقذفه على رؤوس الطلاب، ومع الزمن ندحرج التهم لقيادات المدارس والمعلمين، فالمفاتيح القوية تتلخص في الاهتمام بتحليل نتائج النهايات والاهتمام بالتحصيل الدراسي وتخصيصه هيكليًا، وأن ترفع الجامعات المحلية راية التحصيل الطلابي في الدراسات البحثية العميقة؛ وأن يُخصص له مقاعد للابتعاث لتأسيس المعرفة الغزيرة فيه ومن ثم صناعة المشرعين لسياسات التقويم التحصيلي من الكوادر البشرية، وتلك الحزم لصناعة النسيج المعرفي المطلوب استباقًا للتأثير المدرسي والمجتمعي مستقبلاً بإذن الله؛ ولابد لسياسات التشغيل في المدارس من أن تنالها يد مطورة تبدأ حراكها من المدرسةذاتها، وتطوير أسلوب التشغيل لا يعني التطوير الرقمي الذي حصدنا جوائز العالم فيه؛ فذلكم من إنجازات التعليم المحمودة، وإن لم تستطع تلك الجوائز حماية المعرفة التي باتت تغادر عقول الطلاب فور نهاية العام لأن الوجدان بها غير ودود! كما ونأمل أن ينتشر الهدوء التعليمي وتعود السكينة للمدارس حتى ينعم الطلاب بالدعة الممكنة من التحصيل العقلي والتهذيب السلوكي المراد، فقواعد التأسيس ينبغي أن تكون متينة ولن يشيد البناء من يتجاوز جذور المشكلة إلى حياض المنفذين وذلك بتكريس الاستجابات الإجرائية على حساب الرؤية والأهداف العامة، وأن يتم توجيه المدارس لتجعل من الجماعات المتعلمة مصنعًا للإيجابيات الحافزة؛ وأن يكون الاختلاف مصدر فكر تنافسي إيجابي عميق؛ فالتعليم أداة للتغيير والتربية وسيلة للبقاء والتعايش والاستمرار؛ كما أنه من اللازم في صناعة المتعلمين أن يكون التعليم منصبًا على تشكيل القيم وبناء المواقف الإيجابية، وأن تكون عملية بناء المهارات ليست تجميعية بل تصنع للطلاب مزيجًا من التلاؤم مع كونهم مواطنين مسئولين في مجتمعاتهم ووطنهم وفي دوائرهم الأسرية لينقلهم التعليم إلى مفاهيم جدًا دقيقة وعميقة تسندهم في التعامل مع أعماق الأشكال التي تستولد منها أغراض حياتهم وطموحاتهم؛ وموجز ذلك أن أي خطة أو سياسة تعليمية جديدة لابد أن تبدأ بإدراك أهمية التحصيل الطلابي كمنطلق صادق للحكم على جودة التعلم وأن يوازي ذلك اهتمام بميول الطلاب وأفكارهم وتوجهاتهم نحو المستقبل ليبدو ممكنًا رسم مجال الحياة الذي يدرسونه وتمثيل المستقبل الذي ينشدونه!