موسى بن عبدالله أبوعلوه
سجّلت المملكة العربية السعودية كونها مهبط الوحي ومهد الرسالة المحمدية ومنبع الإسلام والدولة التي خصَّها الله بخدمة الحرمين الشريفين والمركز المحوري للعرب والمسلمين مواقف سجلها التاريخ بأحرف من نور إزاء القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني والأماكن الإسلامية في القدس المحتلة، ونظراً لما تمثّله الدبلوماسية السعودية من حضور على المستوى الدولي وما تحتله المملكة من موقع متميز بين دول العالم المختلفة وما تتمتع به المملكة من تمثيل وحضور في كافة المحافل الدولية، حيث تمثّل محور الارتكاز الدولي وسنداً للعالم العربي والإسلامي.
ويعد موقف المملكة العربية السعودية من قضية فلسطين من الثوابت الرئيسية لسياسة المملكة منذ عهد الملك عبدالعزيز -طيب الله ثراه- بدءًا من مؤتمر لندن عام 1935م المعروف بمؤتمر المائدة المستديرة لمناقشة القضية الفلسطينية إلى هذا العهد المجيد الممثّل بمولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو سيدي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء - حفظهما الله.
مبادرات ومساعدات دعم مادي ومعنوي وحشد دولي وإقليمي ومؤتمرات وقمم ومواقف ثابتة لم تتغير منذ عهد الملك المؤسس -طيب الله ثراه - بشأن القضية الفلسطينية، التي اعتبرتها السعودية قضيتها الأولى، فدافعت عنها منذ البداية، حين رفضت تقسيم فلسطين واحتلالها، مرورًا بإعلان مبادراتها لتحرير الأراضي الفلسطينية، ومواجهة القوى العالمية، بل والمشاركة العسكرية وقطع الإمدادات النفطية والدعم المادي والمعنوي في سبيل تحقيق هذا الهدف ولم يكن ذلك سوى مجرد بداية في تاريخ ملحمة طويلة من الدعم السعودي الذي وضع أساسه الملك المؤسس، وسار على نهجه مَن حمل الراية بعده من الملوك العظام الذي كان لهم مواقف يشهدها القاصي والداني في أصقاع الأرض عن مواقفهم المشرِّفة لهذه القضية العادلة حتى ظلت القضية من ثوابت السياسة الخارجية للمملكة، وعلامة في جميع خطاباتها الرسمية ومواقفها الدبلوماسية الإقليمية والدولية.
وقد قامت المملكة بدعم ومساندة القضية الفلسطينية في مختلف مراحلها وعلى جميع الأصعدة (السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية) وذلك من منطلق إيمانها الصادق بأن ما تقوم به من جهود تجاه القضية الفلسطينية إنما هو واجب يمليه عليها عقيدتها وضميرها وانتماؤها لأمتها العربية والإسلامية وفيما يلي نزر يسير من سجل مضيء من المبادرات والمواقف التاريخية التي قدمتها المملكة العربية السعودية، تجاه القضية الفلسطينية:
1- اللقاء التاريخي الشهير الذي جمع الملك عبدالعزيز بالرئيس الأميركي روزفلت عام 1945م، طرح الملك وجهة نظر المملكة التي سجلتها الكتب والرسائل بأن القضية الفلسطينية ستبقى القضية الأولى الثابتة في سياسات المملكة على مرّ السنين.
2- شكَّل الملك سعود بن عبدالعزيز - طيَّب الله ثراه- لجاناً شعبية لمساعدة الفلسطينيين وأسر شهداء فلسطين عقب نكسة يونيو 1967م، وعهد برئاستها إلى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز عندما كان أميراً لمنطقة الرياض.
3- أكد الملك الفيصل - رحمه الله - في القمة العربية الثانية التي عُقدت في الإسكندرية عام 1964م، على حتمية إظهار الوجود الفلسطيني، ومده بكل وسائل الاستمرار، وقدم خمسة ملايين جنيه إسترليني هبة منه، كما أوقف النفط عن الغرب في حرب أكتوبر.
4- أمر الملك خالد -رحمه الله- عندما اجتاحت إسرائيل لبنان عام 1982م، بتزويد المقاتلين الفلسطينيين بالسلاح والذخيرة من مستودعات الحرس الوطني والجيش، ودفع خمسة ملايين دولار من حسابه الخاص لياسر عرفات عندما جاء طالباً المزيد من الدعم.
5- طرح الملك فهد -رحمه الله- عام 1982م، مشروع السلام واعتبر أول مشروع حل متكامل ومتوازن للقضية.
6- خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية، التي أقترحها الملك عبدالله -رحمه الله- وتبنتها الدول العربية كمشروع عربي موحّد في قمة بيروت عام 2002م، لحل النزاع العربي الإسرائيلي.
7- مبادرة الملك سلمان بتسمية القمة العربية الـ29 ، التي عُقدت في مدينة الظهران «بقمة القدس» عام 2018، كعنوان للتضامن ونصرة لفلسطين وشعبها الأبي.
وقد بدأ عهد مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله- بمناصرة القضية الفلسطينية عندما كان أميرًا لمنطقة الرياض، حيث ترأس اللجان الشعبية لمساعدة مجاهدي وأسر شهداء فلسطين عقب نكسة يونيو 1967م، ولدعمه القضية الفلسطينية، قلّده الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات وسامَ نجمة القدس الرفيع، حينها كان ردّ الملك سلمان: «إن السعودية لم تتخذ يومًا من الأيام موقفًا مؤيدًا وداعمًا للقضية الفلسطينية من أجل أن يأتيها الشكر والتثمين من أي كان على هذه المواقف المبدئية؛ لأن هذه القضية بالنسبة لنا ليست مجرد قضية دولية عابرة، وإنما هي بالفعل قضيتها الأساسية والمركزية».
وفي خضم الأحداث الأخيرة للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة نرى الجهود العظيمة والاتصالات الحثيثة التي قام بها سمو سيدي ولي العهد مُنذ بداية الأزمة مع كافة رؤساء الدول الفاعلة، والتي دائمًا كان يؤكد خلالها على أهمية الملف الإنساني، وضرورة رفع الحصار عن قطاع غزة، ورفض التهجير القسري لسكّان القطاع، وأهمية تلبية احتياجاتهم الإنسانية من الغذاء والدواء والخدمات الأساسية والوقف الفوري للتصعيد العسكري الذي قتل الكثير من المدنيين الأبرياء.
ثم يأتي توجيه خادم الحرمين الشريفين وولي العهد؛ بإطلاق الحملة الشعبية السعودية لإغاثة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، امتدادًا لمواقف المملكة الحازمة، تجاه التطورات العسكرية الخطيرة في قطاع غزة ومُحيطها مُنذ اليوم الأول للأحداث.
ويعكس تدشين الحملة الشعبية السعودية لإغاثة الشعب الفلسطيني في غزة بتبرع سخي من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بمبلغ 30 مليون ريال، وتبرع ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بـ20 مليون ريال، ما توليه قيادة المملكة، من اهتمام بالغ بالوضع الإنساني ورفع المُعاناة عن المدنيين، وبذل كل ما من شأنه تخفيف التداعيات المأساوية التي يُعانيها سكّان القطاع.
حيث تعد المملكة أكبر داعم تاريخي للقضية الفلسطينية عربيًا وعالميًا، حيث تجاوز إجمالي ما قدمته من مساعدات ومعونات مالية 5 مليارات دولار، خلال العقود الثلاثة الماضية، في التزام تاريخي ثابت وراسخ، تجاه تعزيز صمود الشعب الفلسطيني ودعمه ماليًا وسياسيًا وإنسانيًا.
واستجابةً للظروف الاستثنائية التي تشهدها غزة من العدوان الإسرائيلي وفي خضم الأحداث الأخيرة والمستمرة والتطورات الخطيرة وغير المسبوقة والتي تستوجب وحدة الصف العربي والإسلامي في مواجهتها واحتواء تداعياتها، وبعد تشاور المملكة العربية السعودية مع جامعة الدولة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي؛ فقد تقرّر عقد (قمة عربية إسلامية مشتركة غير عادية) بشكلٍ استثنائي في الرياض اليوم السبت 27 ربيع الآخر 1445هـ الموافق 11 نوفمبر 2023 ونيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله - افتتح ولي العهد الأمير محمد بن سلمان القمة بكلمة أكد فيها إدانة المملكة ورفضها القاطع للحرب الشعواء على غزة، مشدداً على وجوب الوقف الفوري للعمليات العسكرية وأن استمرار الحرب في القطاع يمثّل فشلاً لمجلس الأمن، مطالباً بوقف فوري لإطلاق النار، وإدخال المساعدات، وتوفير ممرات إنسانية لإغاثة المدنيين وأن فتح الممرات الإنسانية في غزة فوراً بات أمراً حتمياً، مشدداً على أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تتحمّل مسؤولية الانتهاكات ضد المدنيين في غزة، وشدَّد على وجوب إقامة دولة فلسطينية على اتفاقية 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وعلى ضرورة حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وإقامة دولته المستقلة وأن الحل الوحيد لتحقيق الاستقرار بالمنطقة إنهاء الاحتلال والاستيطان والحصار، مشدداً على رفض المملكة بشكل قاطع استمرار العدوان والاحتلال والتهجير القسري لسكان غزة وأنه يجب العمل معاً على فك الحصار عن القطاع وإدخال المساعدات، مؤكداً أن هذا الوضع المؤسف يحتاج لجهد جماعي منسق وأكد أن هناك ازدواجية في المعايير بتطبيق القانون الدولي، حيث يجب وضع حد لانتهاكات إسرائيل الصارخة للقوانين والأعراف الدولية وإن العالم أمام كارثة إنسانية تشهد على فشل مجلس الأمن والمجتمع الدولي، ويجب تمكين منظمات الإغاثة الدولية من الوصول للمدنيين وأعلن مواصلة التنسيق مع الأشقاء والمجتمع الدولي لوقف الحرب، وسط جهود حثيثة بذلتها المملكة منذ بداية الأحداث لحماية المدنيين العزل في غزة.
وقد صدر البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية الاستثنائية والمجمع عليه ومما جاء فيه على إدانة العدوان الإسرائيلي والمطالبة بضرورة وقف الحرب فوراً ورفض توصيف هذه الحرب الانتقامية دفاعاً عن النفس أو تبريرها تحت أي ذريعة وكسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية واتخاذ قرار حاسم وملزم من مجلس الأمن يفرض وقف العدوان ويكبح جماح سلطة الاحتلال الاستعماري وإنشاء وحدتي رصد قانونيتين لتوثيق الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في قطاع غزة ودعوة الدول الأعضاء لاتخاذ إجراءات رادعة لوقف جرائم الاحتلال الاستعمارية ضد الإنسانية.
وتبيين للجهود الحثيثة التي تبذلها المملكة في مناصرة القضية الفلسطينية منذ عهد المؤسس -طيب الله ثراه - ومن أتى من بعده من الملوك العظام حتى هذا العهد الممثّل بمولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو سيدي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظهما الله - من المواقف المشرِّفة التي يفتخر بها الشعب السعودي ويعتز بهذه المواقف الراسخة والثابتة تجاه هذه القضية العادلة والتي لم نذكر إلا شيئاً يسيراً من جملة مواقف لا حصر لها.
** **
- باحث سياسي