خالد بن حمد المالك
ليس من الحكمة، ولا من التصرف الموزون أن تأخذنا العاطفة، ويجرّنا الحماس، لندلي بآراء ومطالبات خارج السياق الصحيح في التعامل مع القضية الفلسطينية ومع العدوان الإسرائيلي، وأن ندعو إلى مواقف لا تخدم الشعب الفلسطيني من جهة، وتزيد من إشعال المنطقة بحرب مفتوحة من جهة أخرى، إذ إن دعم الشعب الفلسطيني ومساندته في مواجهة العدوان الإسرائيلي الظالم يكون في حدود الممكن، وبقدر الاستطاعة، وهو واجب ملزم على كل عربي ومسلم، بل وعلى كل منصف يرى بعينيه ما تفعله إسرائيل من إبادة جماعية للفلسطينيين.
* *
مرة أخرى أقول وأدعو إلى تجنّب التصعيد، مع الاحتفاظ بزخم الدعم الممكن مالياً وإغاثياً وسياسياً، وعدم الدعوة إلى توريط دول المنطقة بما هو أكثر من قدراتها وطاقاتها، خاصة وأن هناك أكثر من لاعب غير إسرائيل في ساحة المعارك ضد الفلسطينيين، في مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب، والمنافقون خارج المنظومة الغربية، ما يجعل التدخل عسكرياً، أو فك الحصار عن غزة بالقوة أمراً له حساباته الخطيرة، وقد يؤجج الصراع على نطاق أوسع دون أن تستفيد غزة والضفة الغربية من ذلك.
* *
غير أن بعض الآراء غير الموضوعية، بما فيها من ينكر دور المملكة في قيادة الدول العربية والإسلامية في دعم الفلسطينيين والمطالبة بقيام دولة لهم، رغم مبادرتها التي تحولت خلال القمة العربية في بيروت إلى مبادرة عربية، أو من خلال الدعوة إلى قمم عربية وإسلامية تعقد بالرياض من أجل توحيد الموقف العربي الإسلامي لنصرة المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني، أو بالدعم المالي والإغاثي الذي لا يتوقف، وكذلك السياسي، ما يعني أن هؤلاء ممن يركبون موجة التأثير سلباً على مشروعية حقوق الفلسطينيين لا تهمهم المصالح الفلسطينية بقدر ما يهمهم استخدامها في الإساءة إلى الدول الأكثر دعماً وتعضيداً لمطالب الشعب الفلسطيني الشقيق.
* *
لقد آن الأوان للتحرر من العنتريات، والخطابات الشعبوية، واستثمار هذه القضية الإستراتيجية في التلويح بآراء لا تخدمها، بقدر ما تسيئ إليها، والعمل على مناصرتها بواقعية، وحضور يتمتع بالعقلانية، معتمداً على الحقائق والتاريخ، بعيداً عن المواقف الانفعالية والمتشنجة، التي لا تخدم إلا العدو الإسرائيلي، وبالتالي تبقى فلسطين مع هذا الاستعمار البغيض على صفيح ساخن دون حلول أو معالجات تحقق للفلسطينيين طموحاتهم بدولة مستقلة قابلة للحياة على أراضي 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.
* *
وما يجري في غزة الآن هو إبادة جماعية، وتهجير قسري، وتخطيط لما هو أبعد من احتلال، حيث يعمل العدو بالتنسيق والتعاون مع أمريكا وحلفائها على نكبة جديدة باحتلال إسرائيل لكل ما تبقى من أراضٍ فلسطينية، وهو ما كشفته تصريحاتهم بأن على الفلسطينيين أن يهاجروا، وعلى دول الغرب فتح أبواب الهجرة لهم، دون عوائق، والتلويح أيضاً بأن سيناء مناسبة لسكان غزة، والأردن خيار لسكان الضفة الغربية.
* *
كل هذا ألا يشفع لأن تكون كلمتنا واحدة، وهي الأقوى والأمضى والأشد في مواجهة العدوان الإسرائيلي الغاشم، بدلاً من المطالبة بالتصعيد العسكري, وإلقاء الاتهامات لدول عربية، مع أنه ليس لها من اهتمام هذه الأيام إلا إيقاف نزيف الدم بإيقاف القتال في غزة، وفتح المعابر لإيصال الدواء والغذاء والمحروقات، خاصة وأن مشاهد الدمار وأعداد القتلى والمصابين والمفقودين في تزايد مستمر دون أي تدخل دولي فاعل لكبح جماح هذه الشهية العدوانية الإسرائيلية المدعومة من أمريكا في قتل الأبرياء من المدنيين الفلسطينيين.