حسن اليمني
الغريب والعجيب أن ينتسب الكيان الصهيوني الذي يحتل فلسطين بحماية من أنظمة الغرب لأغراض استعمارية وعدوانية إلى ما يُسمى نادي العالم المتحضّر، وما يحدث في غزة من عدوان مثال ناصع على هذا التحضّر، وهذا الأمر وإن كان جد مؤلماً إلا أن الأشد منه إيلاماً أن تدعي النظم الغربية منطق الحقوق الإنسانية واحترام القوانين والنظم الدولية ثم تصف الخسة والحقارة الإسرائيلية بالتحضر، لقد هزم العرب والمسلمون حضارة الأوباش الإرهابية إن جاز تسميتها حضارة بعد أن هزموا ربيبتهم الصهيونية وأهانوا قوتها المزعومة، ومن يظن أن نصر السابع من أكتوبر وانصياع الصهاينة صاغرين لإطلاق الأسرى الفلسطينيين من النساء والأطفال من سجونهم الظالمة هي مجرد أحداث عابرة تمضي وتُنسى فهو واهم، ذلك أن أثرها في العمق الوجداني لكل عربي ومسلم هو في الواقع داعي يقظة واستيقاظ في الوعي والعقل، والفضل لله ثم للمقاومة الفلسطينية في العمل على تبييض السجون الصهيونية من الأسرى الفلسطينيين مقابل الأسرى الصهاينة وهو قادم إن شاء الله ليتحقق الهدف والغاية من صولة السابع من أكتوبر ويوثق النصر بذات الوقت الذي يوثق هزيمة الكيان المحتل صاغراً ذليلاً.
لقد صدق الملك عبدالعزيز آل سعود حين وضح الأمر أو المسار الصحيح لمواجهة مشروع بريطانيا لإنشاء الكيان المحتل في أن الأمر لا يحتاج لجيوش عربية وإنما دعم وإسناد لأهل فلسطين لمواجهة الصهاينة، وهي الرؤية الصحيحة والسليمة والتي أثبت نجاحها فجر السابع من أكتوبر، لم تقم للكيان دولة إلا بهزيمة الجيوش العربية ولم تتوسع إلا بهزائم متكررة على جيوش عربية، والمدهش أن لا جيش عربياً واجه الكيان في حرب لمدة تزيد على أيام في حين تقف غزة اليوم صامدة برجالها وقد دخلنا الشهر الثاني منذ أيام، والكفلة الباهظة التي مُني بها الكيان المحتل ربما فاقت كلفة حروبها مع الجيوش العربية منذ نشأتها، تذكر المصادر الصينية أن نتيجة يوم الثالث عشر من هذا الشهر كان 260 عملية إخلاء، وإذا كان التعتيم على القتلى والجرحى في الكيان الصهيوني طبيعة مفهومة فإن الخسائر في الأرواح والمعدات منذ انطلاق العملية الحربية البرية قد تجاوزت الألف بين قتيل وجريح إضافة إلى أسر جند وضباط وأخيراً ابن رئيس الكيان الصهيوني ذاته.
لقد كشفت هذه الحرب كما وصفها نتنياهو بالحرب المصيرية عن هشاشة القوة العسكرية للكيان أمام قوة العقل والقلب العربي كما كشفت عن نتن أخلاق هذا الكيان الذي لم يجد من حيلة في مواجهة قوة المقاومة وفرض شروطها إلا قتل المدنيين نتيجة قوة الهزيمة التي عرّت الكيان الصهيوني من كل مساحيق الغرب ليظهروا على حد سواء مثالاً للهمجية والخسة، وليس كثيراً علينا أن نفخر ونزهو بهذا الانتصار الحضاري قبل كل شيء الذي لم يوقظ العقول والقلوب العربية والإسلامية فقط، بل امتد ليوقظ عقولاً وقلوباً في أوروبا وأمريكا، بل والعالم كله ليس نصرة لفريق على فريق وإنما يقظة وعي ضد الظلم والإرهاب بما ملأ المدن والعواصم هناك بالأوربيين والأمريكيين الذين فاض صبرهم وصمتهم على سيادة الإرهاب المنظم بالقوة العسكرية والمالية والإعلامية فتسقط وزيرة وتداهم وسائل إعلام ويترنح بايدن ويهتز ريشي سواناك ويتلعثم ماكرون وإلى آخره من الرسوم الكاشفة ليقظة العقول والقلوب والضمائر نتيجة انقلاب صفحة التاريخ بصولة فجر السابع من أكتوبر.
إن تحقيق الغايات والأهداف للحدث والصولة الفلسطينية وقد تحقق بعضها وسيتحقق الباقي ليست هي كل شيء، وحين تتحقق الغايات والأهداف من أي فعل فهو انتصار لا يشكك فيه إلا مسكين، ورغم أهميتها إلا أن الوجه الآخر أو الغايات والأهداف التي ربما لم تكن ضمن الحسبان هي في التحول الهائل الذي ظهر في وعي الشعوب الأوروبية والأمريكية بشكل أخجل وأحرج النظم السياسية والمنظمات الصهيونية، وهي نقطة مهمة للغاية، حيث تتغيّر الصورة المرسومة للعربي وللمسلم في العقول والأذهان تلك التي تصورنا كهمج وإرهابيين ومتخلفين ليحتشد مئات الألف من البشر في عواصم الدعم والإسناد للكيان تلعن الكيان وتحتقر سياسته وسياسات نظمها الموالية للشر والطغيان في قتل الإنسانية والأخلاق، وتعيد تصحيح مفاهيمها للقضايا العربية والإسلامية بشكل يفضح ساستهم ودوائر التأثير لديهم، هذا بحد ذاته نصر حضاري ليت العرب يستثمرونه ويوسعون من أثره لقلب النظام العالمي الظالم المشوّه الذي يتزعمه الغرب بقوته وجبروته، ويكفي أن يظهر الإعلام العربي بشاعة الفعل الصهيوني المشين في جثث الأطفال والنساء في غزة لترسيخ قبح أخلاق الكيان الصهيوني ودعم نظمهم حكومات وأجهزة تأثير لمثل هذه الأفعال القبيحة التي لا يفعلها إلا عصابات الإجرام والإرهاب ليدخل إعلامنا في صفحة فجر السابع من أكتوبر التاريخية معيناً ومساعداً في تنوير البشرية وترقية إنسانيته.