إيمان الدبيّان
مُسافِرٌ سارَتْ (مقالاته) ما بَيْنَ كَلِّ العُرْبِ والعَجَمِ
سَرَى عَلَى النّجْم وَلا غَرْوَ في مُسافِرِ يَسْرِي عَلَى النّجْمِ
تذكرت هذا البيت للشاعر (البوصيري) وأنا في حافلة المطار التي تُقلّنا إلى الطائرة في إحدى رحلاتي الدولية واستبدلت كلمة (أحاديثه) بـ(مقالاته) لأبدأ كتابة مقال استثاره موقف في هذه الحافلة، التي منذ وضعت قدمي فيها مع أول المجموعات بحكم الدرجة التي عليها تذكرتي فزّيتُ ونهضتُ قبل أن آخذ قدراً من الراحة ليس بالكبير على ذلك المقعد الصغير لأوسع وأفسح بالجلوس لسيدة يظهر عليها الكبر في السن أفسح الله لي ولها.
وقفت ومعي حقيبتي السوداء تمسكها على مقعد كنت بجوارها عاملة مرافقة لي شماء، وتلك السيدة تضع حقيبتها الأنيقة أمامنا بيني أنا المرهقة وقوفا وبينها الجالسة لمقامها تقديرا ومن إعجابي بحقيبتها الجميلة الخفيفة الصغيرة جلست أتأملها لأعرف اسم علامتها التجارية غير الواضحة علّها تكون علامة جيدة وبالمال غير مكلفة تكلفة أفلست بعض جيوب المتكلفات تقليدا لبعض الفارغات إلا من أرصدة الإعلانات، وإعلان غير مباشر لتلك العلامات، ولعلني أقتني واحدة تشبهها عندما أترك عادتي في كثرة حقائب السفر وكبر حجمها وحملي لكل ما اختلف به عن غيري ضمنا ومضمونا قالبا ومكنونا؛ ولكن شدني ولفت انتباهي وجود صحيفة ورقية في جيب حقيبتها الخارجي، فبدأ فضولي الصحفي وحسي الأدبي وقلمي النرجسي بالاستئذان من هذه السيدة بطرح سؤال عليها.
خاطبتها: هل تسمحين لي بسؤالك؟
أجابت: نعم تفضلي.
قلت: جميل أن أرى الصحيفة الورقية هنا، لماذا تحملينها وتقتنينها؟
قالت: أجد متعة القراءة في الصحف الورقية، وأحب الصحف.
قلت: وأي الصحف المحلية تفضلين؟
قالت: كنتُ أفضل الجزيرة والآن تغيرت ميولي لها لتغير اهتمامي.
قلت: شهادتي في الجزيرة مجروحة وسارعت بإكمال أسئلتي حتى لا تسألني عن اسمي، (كنتِ) فعل ماض يعني سابقا إذا ماذا تقرئين الآن؟ عكاظ؟!
أجابت: لا، واستطردت بذكاء الحكيمة المجربة قائلة: الصحف اليوم تكاد تنعدم حتى الإلكترونية أصبح الإقبال عليها ضعيفا كضعف هذه الحافلة التي تسير ببطء إلا في منعطفاتها حيث يستجمع السائق كل قوتها حتى يوقفها بقوة أكبر من تشبثنا.
قلت: اعذريني على سؤالي؛ ولكن فضولي الصحفي واهتمامي الكتابي جعلني اسألك وربما هذه الأسئلة تكون مقالا قادما ضمن مقالاتي في جريدة الجزيرة التي أنا أحد كتابها التلامذة بين أساتذتها الفطاحلة.
توقفت الحافلة وقطعت حديثي معها ودعائها لي ووأدت سؤالا لديها عن اسمي لمحت برقه على شواطئ كحل عينيها وأنا أودعها وأشكرها على أجوبتها والحديث معها وإن كنت لا أحب التحدث مع الآخرين ولكنه شغف الكتابة في الساعات الأخيرة لموعد تسليم المقال الأسبوعي فكانت فرصة لصناعة فرصة البدء بالمقال في هذا الحال، سعدت بتوقف الحافلة وحزنت بعدم توقف بعض الحقائب التي تفلّت عقالها من أصحابها وتشتت بيننا قبل أن نتفرق على سلم الطائرة صعودا إلى مقاعدنا وأنا أتمتم ببيت (البوصيري) وأرى نفسي كاتبة مسافرة تسري على النجم حرفا ويسري قائد الطائرة على الرادار تقنية ومهارة تتميز بها الخطوط السعودية كتميز كوادرها وتفرد شعارها الذي عاد وأتمنى أن يعود معه بعض ما افتقدناه عليها كالصحف المحلية التي نجدها فرصة للاستمتاع بأخبارها وإعلاناتها ورائحة ورقها بعيدا عن البث المباشر في حال الطيران إلا في وضع إنترنت خجول ووقته لا يطول.
الصحف ورقية أو إلكترونية بأقلامها الراقية السامية وإن احتضرت فهي باقية بأي قالب فيه كُتبت.