مشعل الحارثي
عندما قطع أحد المحبين العاشقين مجموعة من الزهور بسيفه ليقدمها إهداء لمحبوبته ثار الأديب السوري الراحل محمد الماغوط وهجاه واعتبر أن هذا الفعل يمثل صورة من صورالوحشية، وقتلا للجمال وتدميرا للطبيعة، فكيف لوامتدت الحياة بشاعرنا الثائر ورأى مايحدث اليوم من سفاحي الدماء ، ومغتصبي الرغيف ، ومصادري الحرية والإنسانية على أرض غزة الفلسطينية التي أشهر فيها سياف القبور الإسرائيلي سيفه بلا رحمة ولاهوادة، وهوى به على أعناق آلاف المهجرين والمشردين والمقهورين من الشيوخ والعجزة والنساء الثكالى اللاتي فقدن فلذات أكبادهن، والأرامل اللاتي خسرن أزواجهن، والأطفال الذين سرقت أحلامهم ومزقت دفاترهم وكسرت أقلامهم وسرقوا منهم وقبل كل شيء أغلى مايملكون حياتهم وعشهم الذي يأوون إليه وطنهم الصغير، وعلى مرأى ومسمع من العالم وتلاشى معه حلمهم بوطنهم الكبير، ولتتحقق مقولة محمد الماغوط الأخرى عندما قال :الموت ليس هو الخسارة الكبرى، بل الخسارة الكبيرة هي مايموت فينا ونحن أحياء.
أما حقيقة العدو الإسرائيلي المحتل فهم زمرة محتلة من العسكروالمستوطنين تحكمهم أحزاب متطرفة وتحركهم أذرع الصهيونية العالمية، ومنذ زرعهم في أرض فلسطين عام 1948م وحتى اليوم لم يذوقوا طعم الراحة والاستقرار والحياة المدنية، ويعيشون كل وقتهم في خوف وهلع وتأهب دائم للحرب لأنهم يعرفون حقيقة وجودهم في هذه البقعة، وأنهم غزاة محتلون، ولذلك لم يعرفوا من الحياة سوى القتل والدمار والثكنات والخنادق والعمليات الإرهابية والاغتيالات الوحشية، وتنفيذ سياسات أسيادهم الكبارفي الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الذين تلتقي مصالحهم المشتركة في أن تكون دول منطقة الشرق الأوسط على صفيح ساخن ويشكلونها على هواهم ويتحكمون في مصيرهم وثرواتهم الطبيعية والاقتصادية.
أما الولايات المتحدة الأمريكية التي أشغلت العالم بأنها حامية الحريات وحارسة الديمقراطيات وراعية حقوق الإنسان انكشفت للعالم بتعاملها الفج ومعاييرها المزدوجة وسياسة الكيل بمكيالين التي لايعرف لها نهاية حتى أصبحت إسرائيلية الهوى، يهودية الانحياز، صهيونية التوجه، ولاتعرف للحياد معنى في كل مايتعلق بطفلها المدلل إسرائيل ،ولعل من أبرز صور ازدواجية المعايير إعطاءها الحق لإسرائيل في امتلاك السلاح النووي بحجة تأمين أمنها القومي، فيما تحجب وتحظرذلك الحق على الدول العربية ولتعيد للأذهان قصة الثورالنحاسي للحاكم الصقلي المستبد (فالاريس) الذي كان يقوم بمعاقبة معارضيه والمجرمين بإدخالهم في جوف هذا الثور ثم يضرم النار من تحتهم وينصهرون من شدة الحرارة بينما هو يرقص طرباً على الصراخ والاستغاثات، وهذه الوسيلة للتعذيب استخدمت أيضاً من قبل محاكم التفتيش الكاثولكية بإسبانيا ضد مسلمي الأندلس بعد سقوطها، وكانت وسيلة ملوك اسبانيا الصليبيين المفضلة لإبادة المسلمين في إسبانيا وإجبارهم على الخروج من الإسلام كرهاً.
ولقد سبق للباحثة الأمريكية (اليسون فير) والتي عملت لفترة طويلة مراسلة لعدد من الصحف الأمريكية في الضفة الغربية وغزة أن كشفت عن صورة بغيضة من هذه المعايير وصور العنصرية والتطهير العرقي من خلال الدراسة التي أعدتها حول تغطية جريدة (النيويورك تايم) لأحداث الانتفاضة الفلسطينية عام 2004م التي اعتبرت أن كل طفل إسرائيلي يساوي( 144) طفلاً غيرإسرائيلي، واستشهدت على ذلك أنه نفس ذلك العام قتل ثمانية أطفال إسرائيليين مقابل (176) طفلاً فلسطينياً وبمعدل 1 إلى 22 وسقط الضحايا الإسرائيليون عرضاً، بينما الضحايا الفلسطينيون سقط معظمهم بإصابة مباشرة في الرأس مما يشير إلى أن عملية القتل تمت مع سبق الإصرار والترصد.
وذكرت الصحفية والباحثة الأمريكية أن صحيفة النيويورك تايمز تدقق في هوية الضحية قبل نشر الخبر فإذا اكتشفت أنها فلسطينية تجاهلت الخبر، أما لو كانت للأطفال الإسرائليين فإنها تنشر الخبر في مكان بارز وتكرره بمعدل عشر مرات في الأيام التالية،كما ذيلت الباحثة هذه الدراسة بمجموعة من الأرقام عن حقيقة هذا الواقع المريرفقالت: إنه منذ بدء الانتفاضة قتل (118) طفلاً إسرائيلياً في مقابل (680) طفلاً فلسطينياً، و(1049) إسرائيلي من الكبار مقابل (3605) فلسطيني ، وأصيب (7166) اسرائيلياً بجروح في مقابل (28685) فلسطينياً موضحة أن الولايات المتحدة الأمريكية تقدم لإسرائيل دعماً يقدربنحو (15.139.178) دولار في اليوم مقابل (232.290) دولار للفلسطينيين .
وهذه صورة مبسطة تكشف جورهذه المعاييرغيرالمنصفة ويفضح الصورة الحقيقية القبيحة للصهيونية العالمية وأهدافها المقيتة وانتحارالأخلاق واندحارالقيم، فغدت تمثل مشعل الحريق والشر المحيق، وأوقفت العالم على جبل من نار، مؤكدة أن المصالح تتغلب على الايديولوجيات وأن الحقائق تخضع لمنطق القوة وليس للعدالة فهل نستيقظ؟.