خالد بن حمد المالك
من الواضح أن غزة رغم المقاومة والتصدي للجيش الإسرائيلي المعتدي في هجومه البري تواجه كارثة إنسانية لا سابق لها في التاريخ، من قتل، وهدم منازل، واعتداءات تُصنَّف على أنها جرائم حرب، ومن تأكيد المؤكَّد أن أمريكا وحلفاءها يعاضدون إسرائيل في جرائمها، ويلتمسون العذر لها، ويفسرون أن عدوانها إنما هو دفاع عن النفس، متجاهلين أنها تقوم بهذا الهجوم في أرض ليست لها، وتعتدي على أبرياء من الفلسطينيين المدنيين لم يكونوا طرفاً في القوات الفلسطينية التي أذلتْ إسرائيل، وأكدت كذبة إدعاءاتها بأن لديه جيشاً لا يُقهر.
* *
وما تقوم به إسرائيل وأعوانها منافٍ تماماً للقانون الدولي، لكن السؤال: متى كانت الولايات المتحدة الأمريكية تنفذ القانون الدولي، ومثلها إسرائيل، إذ إن المنطق لدى واشنطون وإسرائيل هو منطق القوة فقط، والتهرب من أي حلول سياسية ودبلوماسية لإيجاد مخارج ومعالجات للأزمات القائمة، وسوف يستمر الوضع على ما هو عليه، ما لم يتم إعادة صياغة القواعد التي تحكم قرارات مجلس الأمن، والالتزام بتنفيذها، وهذا يتحقق فقط إذا انتُزع من الدول الخمس حقها في استخدام الفيتو، وأصبح التصويت بالأغلبية، وهو ما ترفض الدول الخمس التخلي عن هذا الامتياز الذي استفادت منه أمريكا تحديداً لصالح إسرائيل أكثر مما استفادت منه الدول الأربع الأخرى في تحقيق مصالحها.
* *
لقد اقتحمت القوات الإسرائيلية مستشفى الشفاء، ولا معلومات صحيحة عن وجود رهائن أو أنفاق فيه، وكل ما ذكرته إسرائيل، وصدقته أمريكا، وروَّجتْ له واشنطن، تبيِّن أن روايات إسرائيل منتَحلة وكاذبة، وتتم ضمن ثقافتها العدوانية لامتصاص غضب الشعوب المحبة للسلام من ممارساتها الإجرامية، معتمدة على الموقف الأمريكي المتضامن معها، حتى وإن قالت واشنطن لذر الرماد في العيون إنها لا تريد أن يكون المدنيون في مرمى نيران إسرائيل، فيما يقول الرئيس الأمريكي لتطمين عائلات الأسرى لدى حماس والجهاد: اصمدوا فنحن قادمون، معلناً من البيت الأبيض بأنه يُجري مناقشات يومية لضمان إطلاق الأسرى، ولم يقل إن مناقشاته تتم من أجل وقف حَمَّام الدم للمدنيين الفلسطينيين.
* *
والبيت الأبيض لا يعلِّق على تصريح وزير مالية إسرائيل عن دعوته لتهجير الفلسطينيين إلى دول عدة، وطلبه من الدول الغربية قبول تهجيرهم لديها، كما أنه يتجاهل تبني اثنين من أعضاء الكنيست الإسرائيلي ما تفوَّه به وزير مالية إسرائيل بالتأييد لتهجير الفلسطينين من غزة إلى دول أخرى، ما يُفهم ويفسر الموقف الأمريكي على أنه عدم اعتراض من واشنطن على مقترح إجرامي كهذا، وكأن أمريكا تؤكد على إغلاق أي أفق سياسي لإيجاد حل للقضية الفلسطينية.
* *
ولأن إسرائيل اعتادت على التمرد على القرارات الدولية، ورفضها الالتزام بأي مقترح أو قرار يأخذ بالمشكلة الإسرائيلية - الفلسطينية المتأزمة نحو الحل، فلم يكن غريباً أن يطالب وزير خارجية إسرائيل من الأمين العام للأمم المتحدة بأن عليه أن يستقيل، مضيفاً بأنه غير مؤهل لقيادة الأمم المتحدة، وكل هذا يحدث أمام أسماع قادة الغرب وغير الغرب دون أن يقول أي أحد منهم اسكت.
* *
وهذه الحرب كما هو ثابت، لا علاقة لها بالقواعد التي ينبغي على الطرف الإسرائيلي الالتزام بها، ولو كان هناك مجلس أمن يقف على مسافة واحدة من الطرفين، لما رأينا هذه الأعداد من الشهداء والمصابين والمفقودين، ولما أقدمت إسرائيل على هدم المباني على ساكينها، وتوجيه ضرباتها حتى للمستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس، لكن كما يقال مع شيء من التعديل مَنْ أمن العقوبة استمرأ العدوان، ولله الشكوى.