د. محمد بن صقر
إن الذخائر التي ينتجها العقل - والتي توجه إلى العقل - لا تقل أهمية عن الأسلحة التي ابتكرها الإنسان حتى الآن بهدف أن يمحو وجود إخوته في الإنسانية « هذا ما قاله تايلور، وقد يكون هذا مطلع مقالنا الذي نريد الحديث عنه، فالمكينة الإعلامية الإسرائيلية التي تواكبت مع الحرب الإبادية لتي تشنها على قطاع غزة هدفها، كسب الرأي العام العالمي وتحريك قراراتها ضد الشعب الفلسطيني وإعطاء الحق المطلق لتصرفات غير الأخلاقية في الحرب التي تقوم بها الآلة العسكرية الإسرائيلية، كل تلك السلوكيات الإعلامية والحشد الإعلامي التضليلي التي تقوده إسرائيل بالنسبة للعرب واضح، ولا يدع أدنى شك في ذلك، ولكن القضية لا تكمن في معرفتنا أساليبهم وطرقهم الخادعة والمضللة وإنما تهدف إلى كيفية قلب السحر على الساحر ومعرفة من نخاطب من الجماهير العالمية وتحريك الرأي العام العالمي عبر مثقفيه وكتابه وأدواته وجامعاته ومناسباته لمعرفة الحقائق وجعلهم يقفون أمام ضمائرهم وعقولهم ليكون أدوات ضغط على القرارات السياسية في دولهم إن كانوا يريدون كما يزعمون الحقائق، فلابد أن تكون قضية فلسطين هي القضية الأولى ليس لدى العرب والمسلمين وإنما أن تكون قضية الحق الأولى لدى شعوب العالم وقضية حقوق الإنسان الأولى، وأن يكون هناك ميثاق يسمى الميثاق الفلسطيني العالمي لمن أراد الإنصاف في حق الشعوب، هذا الهدف الاستراتيجي الذي يجب أن يتم العمل عليه أن الدعاية الإسرائيلية منذ خطاب مناحيم بيغن الرئيس الإسرائيلي في خطابه الموجه للكنيست عام 1982م بأن الفلسطينيين وحوش تمشي على قدمين، وذكر في خطابه ضرورة العمل وبسرعة قبل أن يستفيق العرب من سباتهم فيطلقوا علينا رسائلهم الدعائية فإن استفاقوا ووقعت وسائل الدعاية ودعاماتها بين أيديهم فلن تفيدنا حينئذ ما يتم تقديمه لنا من أمريكا من مساعدات، هذا اعتراف من أن الكيان المحتل وما يحمل من ضغينة على العرب يعتبر هشا في حربه النفسية والإعلامية والدعائية، وأنه يخشى من الحرب الإعلامية الحقيقية التي تقنع الجماهير والرأي العالمي حول عدالة القضية الفلسطينية، إن الإعلام العربي والمثقف العربي والسياسي العربي أصبح مدركا ما يدور حوله من تضليل إعلامي عالمي، ولكن حان الوقت ليستخدم أدواته في تغيير الرأي العام العالمي ليس عبر الخطابات فقط وإنما عبر الأفعال واتساع دائرة التأثير في جميع الدوائر، فتغيير الرأي العام وانقسام الرأيالعام العالمي حول حرب غزة هو من مصلحة الشعوب العربية ومؤشر على فعالية التأثير إذا ما تم التركيز عليه والابتعاد عن الانقسامات الداخلية بين العرب، فلا مجال لتغيير بوصلة الإعلام والذهاب خلف المشككين ومثير الفتن داخل الصف العربي، فالموقف العربي من القضية الفلسطينية واضح لا يحتاج إلى إثبات، ولكن المتصيدين في الماء العكر وقصيري الرؤية هم من يتبعون أهواءهم الضالة.
إن الرأي العام العالمي يمكن تغيره في ضوء الهمجية التي يمارسه الإسرائيليون ضد الفلسطينيين، فكما فعلت صورة أثناء حرب فيتنام لرئيس الشرطة، الجنرال الجنوبي نغوين نغوك، أما السجين «نجوين فان ليم» والذي قام بإطلاق الرصاص عليه وغيرت الرأي العام داخل الولايات المتحدة يمكن لمئات الصور والأحداث المؤسفة والمبكية أن تفضح هذا الكيان أمام العالم‘ فإذا كان الكيان الإسرائيلي يعتمد على التضليل للتأثير على الرأي العالمي فإن الإعلام العربي لابد أن يعتمد أساليب مبتكرة لعرض الحقائق لكسب الرأي العالمي.