د. محمد بن أحمد غروي
طالبت القمة العربية الإسلامية المشتركة التي نادت بها الرياض إلى وقف الحرب في غزة وعدم توصيف تبريرها كدفاع عن النفس، وأنها حرب انتقامية تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلية، كما أنه لا يمكن تبريرها تحت أي ذريعة، مطالبين بوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، مع إدانة واضحة لمجازر الحرب والهمجية الوحشية التي ترتكب بحق أهالي القطاع، داعين إلى كسر الحصار الذي يفرضه الاحتلال، وإلزامية إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية إلى القطاع.
الرياض التي نادت وأصغى لها العالمان العربي والإسلامي، وتفهم موقفها الغرب تمخض عن توافد غير مسبوق من لدن الزعماء بقيادة سمو ولي العهد الذي ترأس القمة نيابة عن خادم الحرمين الشريفين تلبية للظرف الاستثنائي، وإذ تؤكد المملكة رفضها القاطع لاستمرار عدوان الاحتلال والتهجير القسري لسكان غزة، مؤكدة أن حل القضية وسبيلها الوحيد لتحقيق الأمن والسلام ولاستقرار المنطقة هو إنهاء الاحتلال والاستيطان وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
دول جنوب شرق آسيا انقسمت بسبب ما حدث في السابع من أكتوبر فهناك دول من أعضاء آسيان كإندونيسيا وماليزيا ليس لديهما علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فيما يتمتع البعض الآخر بعلاقات اقتصادية وأمنية وثيقة مع تل أبيب.
اختلفت دول الأرخبيل وأدان بعضها العدوان الإسرائيلي والبعض أدان حماس على فعلتها، لكن الرياض وحدت أصوات الرابطة في قمة آسيان ودول مجلس التعاون بقرار توافقي نادى بوقف الحرب وإيصال المساعدات.
مما يشغل ساسة ومفكري ومراقبي تلك الدول هو ارتداد الحرب على الأرخبيل من نواحي عديدة، خاصة من الناحية الأمنية وإعادة نشاط الشبكات الإرهابية فيها، وتجدد الهجمات واستهداف الموالين لإسرائيل، ونمو بذرة التطرف التي سعت دول آسيان لوأدها لعقود.
إن ما يجري في غزة من استهداف للمدارس والمستشفيات بشكل ممنهج، وما التقطته عدسات الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي ومساندة الغرب لإسرائيل ومنحها ضوءاً أخضر، وتوصيف الغرب لما يجري في القطاع بأنه دفاع عن النفس من شأنه أن يستنهض الجماعات الجهادية في الأرخبيل التي ستوظف ما يجري عاطفياً ومالياً لتحقيق أهدافها واستغلال القضية الفلسطينية للالتفاف الشعبي حول فكرهم والعودة للوراء.
لو رجعنا بالزمن للوراء لوجدنا أن مناداة تنظيم الدولة الإسلامية بالخلافة الجديدة في جنوب شرق آسيا، كان سبباً رئيساً لتبني التطرف في المنطقة وتكوين شبكات دعمت فكر الدواعش في وسائل التواصل الاجتماعي، والتخوف الآخر يتمثَّل في استغلال التعاطف المشروع فيما يحصل في غزة، من خلال ذهاب الأموال للجماعات المتطرفة بدلًا من مستحقيها في قطاع غزة.
تميزت دول آسيان بتنوعها العرقي والديني وانقسامها لما يجري حاليًا سيؤجج حتماً التوترات الطائفية، مهددا مبدأ التعايش السلمي بين الأعراق والأديان، خاصة في دول يوجد فيها أقلية إسلامية، إذ لا يمكن ضمان خروج التضامن مع فلسطين عن مساره، فعلى سبيل المثال وظفت جهات تعليمية قبل أيام لما يجري في غزة في دول آسيان باستخدام ألعاب لأسلحة تحاكي ما يجري في غزة بمدارس أطفال تضامنا مع أهالي القطاع، مما تسبب في انقسام داخلي، وقس على ذلك، فطوفان الحرب الحالية إذا استمرت، يمكن أن تزلزل المنطقة بتوسع نطاقها مما يهدد بارتداد بموجة تسونامي ستضرب حتما الأرخبيل بشكل مباشر أو غير مباشر.