عبدالله إبراهيم الكعيد
«إحدى الطرق هي الاكتفاء بالتحديق اليهم كراعٍ يجلس وسط العشب يراقب خرافه»
هكذا كان الراهب والعالم البيولوجي (ماثيو ريكارد) يحث رؤساء دول ووزراء اقتصاد وكبار رجال المال والأعمال في العالم أن يفعلوه كل صباح أثناء جلسات التأمل التي استُحدثتْ قبل بدء وقائع اجتماعات منتدى دافوس في العام 2014.
تساءل المراقبون حينها حسب كتاب «صناعة السعادة. كيف باعت لنا الحكومات والشركات الكبرى الرفاهية؟» عن جدوى اللجوء إلى راهب حتى ولو كان نخبوياً وعالماً بيولوجياً صاحب شهرة كبيرة كي يُشارك في أهم منتدى اقتصادي/ سياسي يعقد سنوياً في مدينة صغيرة بسويسرا.
قال المنظمون وجدنا بأن تعلّم مهارة الاسترخاء من قبل المشاركين في المنتدى يسهم في استبصارهم لمفاهيم جديدة بشأن أنماطهم الحياتية وحالاتهم الصحية وهذا لم يكن متاحاً في السابق إلا داخل مؤسسات متخصصة أو مصحات أثناء طواف الأفراد بارجاء دافوس.
كُنا وأقصد بذلك (عامة الناس) نعتقد بأن رجال السياسية والاقتصاد وأصحاب القرار لديهم من المناعة ما يستطيعون بها تحييد عواطفهم وميولهم وحتى حالاتهم المزاجية أثناء دراستهم لأي حالة تستوجب اتخاذ قرار مصيري قد يغير حياة شعوب بأكملها. قد لا يعرف معظم الناس على هذا الكوكب أن منتدى دافوس يعتبر المطبخ الأنيق فائق النظافة الذي تُطبخ فيه قرارات العالم من الناحية الاقتصادية.
قد لا يعرفون بأن المال القليل الذي يحصلون عليه جراء كدّهم وتعبهم يُمكن أن يصبح مجرد أوراق مطبوع عليها أرقام لا قيمة حقيقية لها فيما لو قرر صندوق النقد الدولي أو شقيقه الأعتى البنك الدولي اتخاذ إجراءات ظاهرها رحيم بينما باطنها يسهم في تجويع الشعوب وإركاع الحكومات التي تقرر التغريد خارج سربهم.
قال المنظمون لهذا المنتدى وغيره أن تعلّم مهارة الاسترخاء من قبل أولئك الذين يتحكمون في صنبور المال العالمي يسهم في استبصارهم لمفاهيم جديدة بشأن أنماطهم الحياتية وحالاتهم الصحية. يعني اذا لم يشعروا بالاسترخاء فهم قد لا يعرفون كم دخل الفرد في دولة فقيرة يكدّ فيها العامل طوال نهاره ثم يستلم من النقود ما يعادل جناح بعوضة طنّت بجانب إذن ذلك الذي يحاول الاسترخاء أثناء تمرين الراهب ماثيو الذي عجز عن تفكيك كل عُقد أعصابه فهو متخم كجبل متورم.
لا يعني هذا بأنني ضد الترفيه عن أولئك الساسة أو مديري الشركات العابرة للقارات التي لا يخلو منزل من منتجاتها. بل أتمنى زيادة ساعات استرخائهم وبقائهم مدد أطول في كبائن (الساونا) وبرك (الجاكوزي) لعلها تساعد في تليين أعصابهم وترقيق قلوبهم لينظروا بعدها بعين العطف والشفقة للشعوب المستضعفة التي يرونها هوامشا غير ضرورية في صفحات هذا الكون.
قيل بأن الفقراء ملح الأرض. لكن خبراء مطبخ الاقتصاد الأنيق ينصحون بمنع الملح (أصلاً) من على موائدهم الفاخرة.