خالد بن حمد المالك
ما كان لمتابع قَرَأ البيان الختامي للقمة العربية الإسلامية الاستثنائية المشتركة، إلا ورأى فيه سابقةً أن يأتي البيان بهذا الوضوح والشفافية والجرأة على خلاف ما اعتدنا عليه في كثير من القمم العربية والإسلامية، والفضلُ في هذا للمملكة التي وفَّرتْ الأجواء المناسبة في الرياض، ليكون هذا الانسجام والتوافق والرؤية الواحدة بين قادة الدول العربية والإسلامية، ما سيظل هذا المؤتمر راسخاً في التاريخ، يتكرر ذكره، والاستشهاد به، مع كل نازلة، وعند عقد أي قمم واجتماعات عالية المستوى في المستقبل.
* *
ومن المؤكد أن لرئيس المؤتمر الأمير محمد بن سلمان دوره الريادي المعتاد في إنجاح الاجتماع، والخروج بهذه القرارات التي لامستْ تطلعات الشعب الفلسطيني، وامتداداً كل الشعوب العربية والإسلامية والمُحِبة للسلام والعدل في الدول الأخرى، وهو ما يؤكد الدور الكبير الذي تلعبه المملكة في الساحات الدولية، نسبة لاعتدالها، وحسن علاقاتها الدولية، والحكمة التي يتعامل بها قادتها مع كل حدث يتطلب حضور المملكة وتدخلها والحاجة إلى تأثيرها في مواجهة التحديات الطارئة، وهو ما رأيناه في هذه القمة، والقمم الكثيرة التي كانت المملكة المكان المناسب لاستضافتها.
* *
البيان الختامي ليس ككل البيانات، بشموليته، ومفرداته، والجرأة التي لامستْ أصل المشكلة، وتداعياتها، وآثارها الحاضرة والمستقبلية، ومَن يقول غير ذلك فهو أبعد ما يكون عن التحليل والقراءة الصحيحة، أو أنه يتعامى عن الحقيقة، ويتجاهل ما نصَّ عليه البيان، وركَّز عليه، وربَّما تكون له أجندة غير تلك التي تسعى للوصول إلى الحقيقة، وإلى حلول للقضية الفلسطينية بالحكمة والرؤية الصحيحة.
* *
فقد وَضَعَ البيانُ النقاطَ على الحروف، واليدَ على موضع الجروح، والتوجه في المعالجة بالتوافق على قرارات حازمة، محددة المكان، والزمان، وآلية العمل، والشعور بالمسؤولية، بعيداً عن الخطابات الشعبوية، والمناورات السياسية التي تُبعِدُ المعالجة للمشكلة عن مسارها الصحيح، وتترك الوضع على ما هو عليه، بل وفي مهب الريح في أفضل عبارة يمكن أن تقال عن قضية آخر استعمار واحتلال في العصر الحديث، وهو ما تجنَّبه البيان الختامي، وحاول أن يكون موضوعياً، وحاسماً، ومقنعاً، ومحاولاً كسب غير العرب وغير المسلمين إلى الصف المنادي بإقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967م وعاصمتها القدس الشرقية.
* *
لا أريد أن أستعرض ما ورد في البيان الطويل الذي استوعبَ المشكلة، فهو معلن ومنشور، وقد طرحَ الحلول لمعالجتها، واتخذَ القرارات لوضع حدٍّ لاستمرار الصراع والقتال دون ولادة الدولة الفلسطينية المنتظرة، فهذا يمكن معرفته من قراءة البيان، حيث المعالجات التي وردت فيه، والقرارات التي سوف تُتَّخذ، واللجان التي سيكون لها دورها في حسم ما تم الاتفاق عليه بالصورة التي نصَّ عليها البيان، والمتابعة من اللجان التي أشار إليها البيان في أكثر من نصٍّ حتى لا يكون ما صَدَرَ في البيان مكانه في ملفات الحفظ، أو أنه كلام تذروه الرياح.
* *
هذه النتائج التي توصَّل إليها قادة الدول العربية والإسلامية في قمتهم بالرياض، وكان التمثيل فيها عالياً، وخُصِّصتْ لقضية فلسطين، وللهجوم الدموي الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، والدول المنافقة في القارة العجوز، تُحسب نتاج القمة للملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، سواء بتبنيهما الدعوة ليُعقد المؤتمر بالرياض، أو بتنقية الأجواء المناسبة التي ساهمت في إنجاح المؤتمر، وبنظري فإن الاجتماع لو عُقِدَ بغير الرياض لما كان له هذا النصيب الوافر من هذا النجاح الذي تحقق.