عمر إبراهيم الرشيد
تنبئ مشاهد القتل والقصف والتدمير التي تقوم بها قوات الاحتلال في غزة بالكثير وما بين سطور الزمن، أولها أن هذا الكيان المحتل لا يمكن أن يشعر بالأمان وإن تظاهر بذلك، فردود أفعاله تدل على شعورعميق في النفس بالنبذ ليس من المحيط العربي وحسب، وإنما من العالم أجمع، وحين أقول في النفس أفراداً لا جمعاً فالمعنى مفهوم للقارئ لأن الدول شعوب وهي مجاميع أفراد في النهاية. يقول المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون إن اليهود بمثابة من سكن في قارعة الطريق، كناية عن أنهم لا يندمجون مع باقي البشر بشكل طبيعي، فهم عبر تاريخهم يعيشون في تجمعات متلاصقة وبمعزل عن باقي المجتمع الذي يعيشون فيه أو ما عرف في أوروبا بـ(الجيتو). مع سيطرتهم على التجارة إلى جانب حبك المؤامرات لإخضاع الآخرين الأغيار) لنفوذهم وسيطرتهم كما يحدث الآن لأمريكا والغرب، وما وقوف هؤلاء وبشكل فاضح مع الاحتلال ضد غزة المعزولة إلا مصداقًا لذلك النفوذ.
وبعيداً عن الجدل الدائر عن التجاذبات والتكتلات السياسية التي تقف خلف هذه الحرب، فإن الشعب الفلسطيني يرزح تحت احتلال صهيوني إرهابي، ومهما قيل عن إمكانية تعمد حكومة الاحتلال غض الطرف عن اقتحام مقاتلي حماس للحدود وقتل وأسر إسرائيليين وغيرهم، إلا أن (إسرائيل) لم يفتضح أمرها وحقيقة ممارساتها من قبل كما افتضحت في هذه الحرب، ولم تخسر جنوداً وأسرى وعتاداً كما خسرته الآن ولا تزال، برغم أن القتلى من أهالي غزة العزل ونصفهم من الأطفال والنساء هم أضعاف مضاعفة من أولئك في الجانب الإسرائيلي. أقول هذا لأن الرأي العام العالمي والشعبي أصبح يدرك الحقيقة وبدأ في التشهير بحكومة الاحتلال، حتى وإن وقفت حكومات غربية ومؤسسات إعلامية وكيانات اقتصادية مع الاعتداء ولكن الشمس لا تحجب لا بغربال ولا بغيره.
الأمر الملفت في هذه الأزمة هو احتقان منصات الإعلام الاجتماعي بالجدال والتخوين والاتهامات، وتجلي ثقافة الغوغاء التي يغيب معها صوت العقل بسبب تسليمه للجمهور ليفكر نيابة عن الفرد. ألم تحصد الثورة الفرنسية ثلاثمائة ألف إنسان على الأقل من الفرنسيين مع أنهم لا علاقة لغالبيتهم بالحكم السابق، لكنها ثورة الغوغاء العمياء والفرصة السانحة لمن يركب على أكتافهم لنحقيق مآرب لا علاقة لها بالحريات المزعومة والحقوق والأوطان (جوستاف لوبون - سيكولوجية الجماهير). ولا يفهم من حديثي هذا إنكار حق الشعب الفلسطيني في انتزاع حقه وحريته، فالنضال ليس ثورة أهلية بل كفاح ضد محتل، وإنما قصدت أن ثقافة الغوغاء لا يعتد بها، وهذا وقت الوقوف مع الحق وترك المهاترات والمزايدات والخطابيات. فاللهم انصر أهل غزة وثبت أقدامهم وفرج كربتهم، واحم بلاد الحرمين قيادة وشعباً واجعلهم عوناً للمسلمين، إلى اللقاء.