مشعل الحارثي
الليل طال واشتد عصفه وقصفه ورجفه ونزفه لدماء إخواننا الأبرياء في غزة، وعقرب الارتباك لدغ منا اللسان فلذنا بالصمت الذي غسلنا بالدهشة والهلع والذهول وسط ضياع غامض، ومشهد صارخ مستفز، حير العقلاء والساسة والحكماء وضاعف فينا الأسى والآلام وروح العجز، وانتبانا الأرق والقلق فأصبحنا معه على مفرق الريح والنار بانتظار ومضة السراج لانتشال وطن يعيش في مقبرة وأمة حادت عن طريقها الصحيح.
نعم، تلك هي نار الحرب الهوجاء ولغة الآلة العسكرية العمياء وجرائم الإبادة البشعة والتصفية العرقية التي اندلعت على أرض غزة الفلسطينية وضد شعبها الأعزل وأعادت لنا من جديد صورة مكررة لمحرقة الهولوكوست ولكن هذه المرة على أيدي اليهود والصهاينة الغاصبين وبمؤازرة قوى البطش والطغيان الغربية التي لم تبق ولم تذر وحصدت البشر والنبات والثمر والحجر والمدر رغبة في تحقق مبتغاها الأكبر في نهب ثروات وخيرات منطقة الشرق الأوسط وجرها والبشرية جمعاء لطوفان الغرق والتشتت والضياع وجعلها دوماً على أتون صفيح ملتهب.
ومن هنا ومن عاصمة العرب بالرياض وبمناسبة انعقاد القمة العربية الطارئة لمجلس جامعة الدول العربية لمواجهة هذا العدوان الظالم على قطاع غزة، ومن منطلق ما كفله لنا الدين الإسلامي الحنيف والأعراف الدولية والقيم الإنسانية من حق الدفاع عن الأرض والعرض وردع كل عدو غاشم، وفي ظل هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ الأمة العربية والإسلامية وجب علينا أن نبتعد عن الانفعالية الموقفية والنظر بعمق وفهم لكل ما يحيط بنا من أخطار وتحديات تجلت في هذا الاحتشاد الغربي غير المسبوق، ونقرأ بوضوح تام كل المتباينات والتداعيات ونتعالى فوق كل الحساسيات والصراعات والانفكاكات والتخلخات في صفوفنا ومواقفنا، وندرك إزاء هذا الوضع الراهن أن الأعداء كثيرون ويتحينون الفرص لإنجاز مخططاتهم الخبيثة لطمس الهوية العربية والإسلامية ونشر الفوضى المدمرة التي بدأت كرتها تتدحرج بوتيرة متسارعة منذ أحداث ثورة الربيع العربي.
وإزاء كل ما يحدث الآن من مجزرة وحشية ضد العرب والمسلمين فإن المطلوب التحرك السريع لإيجاد حلول عاجلة لوقف نيران هذه الحرب الشعواء ووقف سيول دماء الأبرياء والعمل على إنقاذهم ومساعدتهم وتضميد جراحهم ونصرتهم ودعم صمودهم المشرِّف والعمل على رتق الشق في الجدار الفلسطيني وفصائله المختلفة للانضواء تحت قيادة موحدة يتم الاتفاق عليها بين المعنيين بها بالدرجة الأولى لتكون هي الممثل الرسمي والصوت الشرعي أمام المجتمع الدولي فيما سيتم اتخاذه فيما بعد من مواقف وتداعيات.
ولا بد من ضمان حقوق إخواننا في غزة ودماء شهدائهم ومحاسبة يد الإجرام والعبثية التي جاست خراباً ودماراً في أراضيهم وإعادة أعمارها، وضمان الحد الأدنى لعيشهم الكريم، وإعادة النظر في اتفاقية نزع الأسلحة النووية في منطقة الشرق الأوسط بعد تهديد وزير التراث الإسرائيلي بإبادة شعب غزة ومحوها من الخارطة الجغرافية باستخدام القنبلة النووية وعدم تفويت هذا التصريح الخطير.
علينا أخذ كل الحيطة والحذر من الأفكار المسمومة التي يسوقها أعداء العروبة والإسلام والمحسوبين عليه لتحريك طوائف وجماعات الإرهاب تحت شعارات زائفة لم تجد تطبيقاً لها على ارض الواقع فحولتها إلى مشاريع انتقامية تخريبية ضد الإنسانية وتقويض الاستقرار والسلام ومناهضة التقدم والازدهار.
وعلى الإعلام العربي بكل وسائله وأدواته في أن يكون له وقفته الصادقة والنزيهة ضد كل ما يخور ويدور في فضاء الإعلام اليوم وما يفرزه العدو وذيوله ومرتزقته من عبث بالحقائق وترويج للأكاذيب الملفقة ضد كل ما هو عربي وإسلامي، ونواجه كل تلك الأحقاد العنصرية والمغالطات بصرامة وحزم وبلا مداهنة أو مراوغة ونوعي أجيالنا الجديدة بالهموم العربية والإنسانية وتذكيرهم بأن القدس الشريف أمانة عند كل مسلم وعربي وأنه ثالث الحرمين الشريفين ومسرى رسوله الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم، وكشف كل المحاولات البائسة واليائسة لجعلنا أمة تقف على أبواب التاريخ وليست أمة (كتاب) وصانعة للتاريخ.
ولمن نسي أو تناسى نشير ونذكر بمواقف المملكة العربية السعودية من قضية فلسطين وعروبة القدس التي لا يمكن لأحد المزايدة عليها أو التشكيك فيها فهي أنصع من الماء الزلال منذ بدايتها في عهد المؤسس الملك عبدالعزيز -طيَّب الله ثراه - مروراً بعهد أبنائه الملوك من بعده -رحمهم الله- حتى العهد الميمون لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله وأمد في عمره - وسمو ولي عهده الأمين والتي حملت قضية فلسطين في قلبها وجعلتها هي قضيتها الأولى وقدمت وما زالت دعمها المادي والمعنوي والسياسي ونادت باستعادة حقوق الشعب الفلسطيني في كل المحافل الدولية وسعت لمصالحة كل فصائلها المتعددة كل ما نشب بينهم خلاف لتجتمع على كلمة سواء، وحرصها الكامل على الحفاظ على كل المكاسب التي حققها النضال الفلسطيني طوال كفاحه وصولاً للسلم الشامل المبني على مبادئ الحق والعدل وإقامة الدولة الفلسطينية.