صيغة الشمري
قد يبدو حديثي عن التسامح تنظيريا يراه الآخرون مجرد وعظ مجاني لا قيمة له، لكنه في الحقيقة خارطة طريق لحسم الصراع بينك وبين نفسك وبينك وبين الآخرين، لإنجاح حقيقي مستدام قبل حصولك على درجة النجاح في التسامح، كل ما تبنيه من مجد غير مؤسس على أخلاق فرسان هو مجد هش آيل للسقوط في أي لحظة، النصائح الإنسانية حقائق علمية لكننا لا نكتشف صحتها إلا بعد فوات الكثير من سني العمر، نحمل الضغائن تجاه المخطئين فترهقنا وتريحهم، نحزن ويفرحون، نجهد أنفسنا ولا يأبهون، ولكن عندما نلجأ إلى التسامح، نرتاح، هذه القيمة تعكس الخير على حياتنا في جميع مناحيها.
البعض قد يرى الشخص المتسامح، المتسامي على الجراح التي وسمها الآخرون على روحه ضعيفاً، لا يعرفون حقيقة قوته، فالإنسان المتسامح لديه من القوة ما يجعله يتمكن من تحليل الموقف وأخذ وقته قبل الرد، ما يساعده على معرفة نقاط ضعفه، والتحفز بشكل إيجابي لاتخاذ الخطوة الصحيحة للمضي قدماً في الطريق الذي اختاره، وهو عدم ترك مجال للغضب ليحرق جوفه.
يعرف التسامح بأنه من خصال الأقوياء، فمصدره يقين ورغبة صادقة في السير بالاتجاه الصحيح من حيث فعل الخير. ونرى الكثير من الأشخاص المتسامحين في مجتمعنا لديهم شخصيات يشار إليها بالبنان، ودائماً ما يحدثون التغيير الإيجابي في أنفسهم ومجتمعهم.
التسامح الحقيقي هو التخلص من الغل والحقد تجاه الآخر، والتسامح بثقة وعدم الالتفات إلى ما مضى، حتى نكون قد سامحنا بصدق، وليس بكبت المشاعر والتظاهر بأننا تخلصنا مما يثقل القلب.
وللتسامح أهمية كبرى في حياتنا، خصوصاً أنه إحدى القيم المتعلقة بالحقوق، تقبل اختلافات الصفات الإنسانية، والفكرية، مع الإقرار التام بحقوق جميع الأفراد مع اختلاف طوائفهم، واحترام آراء الآخرين، كما يساعدنا على التخلص من الأخطاء والشعور بالإحراج.
يمكن أيضاً مسامحة النفس بتصحيح الأخطاء التي ارتكبناها، فرقي الإنسان يكمن في مقابلته للإساءة بروح متسامحة، لتكون نفسه مليئة بالخير والجمال، وبالتالي يمكنه حل المشاكل التي تنتج عن سوء الظن بينه ومن حوله والتماس العذر لهم، ومن ثم يصبح قادراً على التعايش مع الأفراد وأعضاء المجتمع بتقبل الاختلاف والحفاظ على حقوق الآخرين، بعيداً عن المناكفة والصراع وانتشار الحقد والعنصرية.
وعبر نشر ثقافة التسامح تتحقق المصلحة العامة، لأن هذه القيمة بإمكانها التقليل من الخلافات التي ليس لها معنى، فالتسامح يزيد أهمية الثقافة والعلم، ويدفعنا لتفعيل وإدارة لغة حوار بناءة، تقود أفراد المجتمع للوصول إلى مراتب رفيعة دون التعدي على حقوق ومكانة الآخرين.
سامح نفسك أولا لتستطيع مسامحة الآخرين، لا تجلد نفسك وأصفح عنها، كل يوم افتح صفحة جديدة معها لأنها صديق يستحق أن تسامحه!