د. جاسر الحربش
سأل صحفي إسرائيلي رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك ماذا كان ليفعل لو كان فلسطينياً فأجاب أنضم فوراً إلى الحركات الإرهابية.
إنني أتبرع بنصف ما أملك لمن يدلني على حالة تاريخية واحدة تنازل فيها محتل لأهل البلاد الأصليين بطريقة التفاوض السلمي. المستعمر، بخلاف المحتل يأتي بنية الاستيلاء على أكبر قدر من خيرات المستعمرة، لكن المحتل بخلاف المستعمر يأتي بنية امتلاك البلاد فما فيها وعليها وتحتها وإلغاء حقوق أهلها الأصليين في البقاء وليس فقط في الوطن.
المستعمر يضع في حساباته احتمال أنه يوماً ما سيغادر إما طوعاً بتغير أحواله أوكرهاً بالقوة المسلحة أو بإزاحته بمستعمر أقوى منه، ويحاول تهميش وجود الآخر بالاختراق الحضاري للغته وعقيدته وعاداته، أما المحتل فيحاول إلغاء كينونة أهل البلاد المحتلة وكافة علاقاتهم بالأرض والتاريخ والحياة.
حين احتل الأوروبي الأبيض الأمريكتين وأستراليا ماذا أخذ وماذا أبقى؟. أباد السكان الأصليين وطمس لغاتهم وحضاراتهم فلم يبق منهم سوى بعض الأطلال ولا شيء غيرها يستحق الذكر. كان سبب نجاحه هو أن المقاومة بدائية متشرذمة ولم تكن على مستوى فوق القبليات والعصبيات البدائية، بينما المحتل داهمهم بنية الاستئصال والبقاء فاستخدم طرق الإفناء الجسدي للإنسان ولكل ما يذكر بوجوده قبل الاحتلال. نفس تفرعات هذا الأوروبي الأبيض استعمرت ولم تحتل دولاً عريقة في آسيا وأفريقيا ولم يكن في نيته احتلالها لمعرفته المسبقة باستحالة ذلك، مكتفياً بجني الثمار وتدجين قلة من أصحاب المستعمرات لحراسته وخدمته.
طبيعي أن كل مستعمر يطمع لو استطاع أن يصبح محتلاً، لكنه قبل أن يتحرك باتجاه هدفه يكون قد درس ومحص مكامن القوة والضعف في البلاد المستهدفة، حضارة وتاريخاً ومعتقدات وتماسكاً اجتماعياً وكثافة سكانية. بخلاف ذلك يكون المحتل قد استحضر منذ البداية كل الإمكانيات التي يستطيع حشدها من قومه ومن أي قوى أخرى تشاركه في رغبة إلحاق الهزيمة النهائية بمن يخطط لاحتلالهم، بل ويكون قد اخترقهم قبل ذلك بعقود بالعملاء والجواسيس والرشاوى والتنفيع الفئوي من خلال طبقة من أهل البلاد الغافلين أوالجشعين.
من هذا التفصيل بين أهداف المستعمر وأطماع المحتل يكون السؤال: هل الكيان الصهيوني في فلسطين استعمار أم احتلال؟. الجواب واضح إنه احتلال استيطاني علماني يتنكر بالدين والديموقراطية والحق في أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. هل ينفع مع هذا المحتل الجلوس على مائدة المفاوضات للتوصل إلى سلام وتعايش بينه وبين أصحاب الأرض، أم أن ذلك قد يكون مناورة هدفها التمييع والتخدير إلى أن ينسى الحق بالتقادم ويصبح الباطل هو صاحب الحق الأصلي، ليتصرف أمام العالم كدولة ذات سيادة مع مهاجرين طارئين وعصابات إرهابية؟.
لا أعتقد بوجود أحد بين المتقبلين لتجربة الحل التفاوضي، من الفلسطينيين خصوصاً والعرب عموماً يعتقد عن قناعة بمصداقية التفاوض السلمي، لكنه قد يستجيب مضطراً لضغوط فرضتها قوى عظمى متجبرة مستعدة لاستعمال القوة الغاشمة ضد كل من يرفض ما تسميه الحلول السلمية.
لأن الاحتلال والتهجير والهدم والقتل فعل يستخدم أشد أنواع العنف والترهيب تكون المقاومة المسلحة هي التفاعل المناسب مع المحتل العنيف، ويبدو أن الاقتحام المزلزل للكيبوتسات يوم 7 أكتوبر 2023 كان البداية لفعل فلسطيني يتناسب مع عنف الاحتلال وأساليبه.