هدى بنت فهد المعجل
عرّف كارل يونغ عالم النفس السويسري ومؤسس علم النفس التحليلي مصطلح «النفس الخفيّة» بأنها الجزء غير المتحضّر من الإنسان الذي يجب أن يراه ويعترف به لكي يكون متكاملاً ذاتيًا. علمًا بأن النفس الخفية ليس فردية فقط، بل هناك نفس خفية جماعية أو مجتمعية، وهي انتشار عادة سلبية بين الناس مثل الكذب والسرقة والغش والخيانة واحتقار الآخرين في مجتمع ما، بغضّ النظر عن الآثار السلبية التي تخلّفها في هذا المجتمع، ما يشكّل خطرًا كبيرًا على الحضارة، لأنها خصال لا تسمو بالحضارة.
يكون الإنسان أكثر تكاملاً وتوازنًا إذا استطاع معرفة حقيقة نفسه الخفيّة، ويكون ذلك من خلال زيادة الوعي حول ردود أفعاله تجاه تجاربه الشخصية والخبرات التي مر بها في حياته. مثال: يسمع فلان من الناس خبر نجاح صديقه أو قريبه بمعدل أعلى من معدله الذي حصل عليه، فإذا أخفى مشاعر الحزن بداخله وأظهر شعوره بالسعادة، فهو قد أخفى في نفسه شعور الغيرة من تفوّق الآخرين عليه، لأنه الشعور الذي لا يرغب أن يظهره لصديقه أو قريبه، فإذا استطاع تحديد شعوره هذا، أمكنه التّحكم به والسيطرة عليه وإدارته.
مثال آخر: يمر الإنسان بحالة اكتئاب ومرحلة لا يقدّر فيها ذاته، جاهلاً الجزء المظلم أو الخفي من شخصيته، والوقت ليس وقت معرفة نقاط ضعفه والجوانب السلبية منها، إنما وقت التركيز على تعلّم كيفية تقدير الذات والثقة بالنفس، لماذا؟ لأن معرفة الجزء المظلم والخفي من شخصيته قد يترتب عليه تركيزه على صفاته السلبية وليس كيفية التعامل معها.
وعودّا على بدء في مقالي السابق «حيلة تبرير الخطأ» عندما أشرت إلى أنه من أسباب وقوعنا في فخ تبرير الخطأ قد يكون انتصارًا للذات، أو تضليل وكذب، وربما أنانية وغرور وهو يرتكب هذا الشيء بينه وبين نفسه، وأمام الناس لدرجة إلقاء اللوم على الآخرين أو ما يطلق عليه في علم النفس الإسقاط النفسي تلك الحيلة الدفاعية اللاشعورية، وعملية هجوم يحمي الفرد بها نفسه بإلصاق عيوبه ونقائصه ورغباته المحرمة والمستهجنة بالآخرين، حيث إن الإسقاط النفسي ضمن إحدى الجوانب السلبية للنفس الخفية أو الجانب المظلم ويطلق عليه الظل أو الأنا السفلي. فهل في مصلحة الفرد التخلّص من نفسه الخفية أو الجانب المظلم فيها..؟ بالتأكيد لا طبعًا، حيث يستحيل أن نجد إنسانَا لا يوجد لديه جانب مظلم أو جزء خفي لا يرغب بإظهاره للناس من شخصيته مهما بدا لك أنه أسعد مخلوق على الأرض.
الشخصية السلبية جزء ومكوّن من مكونان شخصية الإنسان فهي تقود الأنانية، والخداع، وانفصال الأخلاق، والنرجسية، والسادية، وتغليب المصلحة الذاتية، والحقد وما إلى ذلك من مكونات تنبع من الجانب المظلم والخفي. وهنا فرصة كي نتطرق إلى ما يسمى بالتعاطف المظلم لدى فئة من الناس يصفون أنفسهم بأنهم متعاطفون وحساسون بمشاعر عالية هي إسفنج عاطفي تستشعر الحالة المزاجية للناس وتفهم بعمق الحالة العقلية للآخر فيأخذ في مضايقتك بالتعاطف، لكنه في الوقت نفسه يخطط لخدمة أغراضه الخاصة على حساب الآخر. فهذا الشخص يمتلك مزيجًا من الصفات الشخصية المعقّدة مثل الإقناع السلبي، والانغماس العاطفي في مشاعر الآخرين، واستغلال عواطفهم بالتالي هذه الشخصية ظاهرة نفسية تُشكّل خطرًا على نفسها وعلى المستغلين عاطفياً، فهل نحتاط منهم..