عبدالله إبراهيم الكعيد
أعود للكتابة عن فكرة التغيير الواردة في قصّة «من الذي حرّك قطعة الجبن الخاصة بي» للكاتب الأمريكي الراحل سبنسر جونسون والذي أضاف الناشر باللغة العربية (مكتبة جرير) أسفل عنوان الكتاب تنويهًا بأن القصة قد تكون طريقة مدهشة للتعامل مع التغيير في عملك وحياتك.
لن أسرد وقائع تلك القصة فالملايين من القرّاء حسب ما قيل قد حفظوها عن ظهر قلب واعجبوا بنشاط ودأب الفأر «سنيف» وصديقة «سكوري» وفي الوقت نفسه لم يتعاطفوا (أي ذات القرّاء) بالقزمين «هيم» ورفيقه «هاو». إنما ما دعاني لتذكر تلك القصّة بعد كل تلك السنين الطوال منذ كتبت عنها لأول مرة هو لقائي بمعالي الدكتور إبراهيم بن محمد العواجي وكيل وزارة الداخلية الأسبق في القاهرة مطلع هذا العام 2023 بعد غياب طويل عنه، ومن المعتاد أن تؤدي دروب الحياة المتشعبة بكلينا السير في اتجاهات مختلفة.
أهداني معاليه مشكوراً كتابه المعنون بـ(التنمية وعربة الكرو) في طبعته الثانية 1443 منشورات دار الحضارة بالرياض. أُحيط القرّاء الأعزاء علماً بأنني أعرف الدكتور إبراهيم حق المعرفة فقد عملت تحت رئاسته أبّان عملي في الإدارة العامة للعلاقات والتوجيه بوزارة الداخلية من عام 1977 وحتى 1981. لمست فيه المسؤول المرن غير البيروقراطي الذي سبق عصره برؤاه الإدارية الحديثة وقيادته المتميزة.
الكتاب في مجملهِ رؤية إدارية رغِبَ المؤلف الذي آمن وما زال يؤمن بالدور الكبير الذي تلعبه الإدارة في تحقيق أهداف وسياسات التنمية التي تطمح لها القيادة العليا في أي بلد لهذا أهدى الدكتور إبراهيم كتابه (إلى طموحات القيادة العليا، والمواطنين والمنهكين خلف تعرّجات الروتين، والحالمين بمستقبل أفضل)،
لم ينسَ العواجي عن سرد لمحة تاريخية عن الإدارة العامة في بلادنا ودورها في التنمية والإشارة إلى مراحل الإصلاحات الإدارية والخطط الخمسية ناهيك عن الروتين والمركزية والتضخم الوظيفي وغيرها من عناصر وفنون الإدارة.
إنما الذي شدني في نهاية الكتاب حين أسدى المؤلف في صفحة 183 من الكتاب نصيحة للمسؤولين الذين ينشدون النجاح أثناء سعيهم لتطوير أعمالهم وكي تتحقق برامجهم التي وضعوا لها الخطط المناسبة أن يأخذوا بالحسبان ما يُسمى بمقاومة التغيير ومبرراته وحتى ميكانيكيته وأساليب التغلب على تلك المقاومة ليس بالقوّة، إنما بالإقناع والمشاركة.
ها قد وصلنا إلى بيت القصيد، اتضح من السرد السابق بأن الذي جمع مؤلف قصة «الجبن» الأمريكي سبنسر و»عربة كارو» السعودي العواجي هو اتفاقهما على أن الخوف من التغيير طبع لازم الكائنات البشرية وسواها منذ خُلقت. في حالة الفأرين والقزمين عند الأمريكي ترك المؤلف من وجهة نظره تلك الكائنات تتعلم التغيير من الجوع الحرمان، بينما يرى الإداري الإنسان العواجي من تجربة طويلة في التعامل مع مختلف طبقات المجتمع أن ترك الناس تُعاني حتى تقبل التغيير أمراً قاسياً خاصة في البلدان التي تعوّدت شعوبها على التنشئة والرعاية الأبوية سواء على مستوى الأسرة/ القبيلة/ الدولة.
نصيحة الدكتور إبراهيم بن محمد العواجي الوكيل العام الأشهر لوزارة الداخلية بالمملكة العربية السعودية تحمل ضمن حمولاتها الثمينة بعداً إنسانيًا آخذاً في الاعتبار تجربته التي لم تقلها نظريات الإدارة التي تعلّمها في الولايات المتحدة الأمريكية أبّان كان طالباً طموحاً.