اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
مما لا يختلف عليه اثنان أن المجتمع الإسرائيلي القادم من الشتات يعتبر صنيعة للصهيونية وقوى الاستعمار والإمبريالية، حيث تبنَّت هذه القوى المجتمع وجعلت منه دولة ذات هوية يهودية اكتسبت أهميتها من زرعها في قلب الوطن العربي واعتبارها أداة لهذه القوى الطامعة في ثروات هذا الوطن والاستفادة من موقعه الإستراتيجي لخدمة أطماعها الاستعمارية وأهدافها الجيوسياسية.
ومن هذا المنطلق فإن الدولة العبرية تأسست تحت مظلة الحماية البريطانية ثم انتقلت منها لتصبح تحت مظلة الحماية الأمريكية التي وفرت لها كل ما تريد من وسائل الحماية وتعهدت بالدفاع عنها وتأمين أمنها وضمان تفوقها العسكري على دول المنطقة مقابل اعتبارها قاعدة لها في الشرق الأوسط تخضع لمطالبها وتنفذ مآربها، مؤدية وظائف مزدوجة تجمع بين دور العميل والحليف.
ودولة هذا حالها وحال مَنْ يقف خلفها لابد أن تكون ذات نزعة عنصرية وطبيعة عدوانية توسعية يتسم سلوكها بالنشاز ويدعو إلى الاشمئزاز نتيجة لما يمارسه الصهاينة الغزاة من العنف والإجرام في حق أهل الأرض المحتلة الذين يدافعون عن الأرض والعرض ضد الغزاة المعتدين الذين ترعاهم الصهيونية وتحميهم قوى الاستعمار والإمبريالية.
وتقاطع أهداف الصهيونية مع أهداف قوى الاستعمار أدى إلى وجود كيان غريب على أرض فلسطين يعمل على تحقيق تلك الأهداف، مستفيداً من قوى الاستعمار المتبنِّية له للتغلب على ما يقابله من مقاومة ووأدها في مهدها مهما بلغت من القوة والشراسة، ومتخذاً من العمل العسكري والاستعمار الاستيطاني وفرض الأمر الواقع وسائل للاحتلال والتوسع والانتقال من هدف أدنى إلى هدف أقصى ومن مرحلة إلى التي تليها منذ عام 1948 .
والعمل العسكري والاستعمار الاستيطاني وفرض الأمر الواقع نتج عنها قيام الدولة العبرية على أنقاض الشعب الفلسطيني وفي الوقت نفسه ساعدت هذه العوامل الدولة المحتلة على تنفيذ مهمتها بشقيها الصهيوني والاستعماري وبالتالي ضمان استمرار وجودها وتأدية مهمتها المزدوجة لخدمة أسيادها وبلوغ مآربها العدوانية والتوسعية نحو دولة اليهود المزعومة.
وتأسيساً على ذلك فإن الدولة العبرية استطاعت دمج إستراتيجيتها في إطار الإستراتيجية الشاملة لقوى الاستعمار والاستفادة القصوى من هذه القوى للوصول إلى أهداف مشتركة تصب بالدرجة الأولى لصالح الكيان الصهيوني حيث ترتب على ذلك خلق ظروف ملائمة تُمكّن هذا الكيان بموجبها من إثبات وجوده في المنطقة العربية كدولة تمتلك قوة عسكرية وسياسية واقتصادية وبشرية واتخاذها قاعدة من قبل أمريكا يتوسط موقعها الوطن العربي ويفصل بين مشرقه ومغربه.
ويوجد للدولة العبرية والقوى الاستعمارية المدافعة عنها أهداف مشتركة يتفق عليها الجميع في حين يوجد لكل طرف أهدافه الخاصة، ويعتبر تمزيق وتفريق الأمة العربية والحيلولة دون وحدتها من الأهداف المشتركة، علاوة على المطامع الاستعمارية والأهداف الجيوسياسة التي يسعى المستعمر إلى تحقيقها وتخدم الكيان الصهيوني، وما يندرج في فلك هذه المطامع والأهداف من محاولة السيطرة على المضائق والممرات المائية والمواقع الأرضية الغنية بالثروات الطبيعية وذات الأهمية الإستراتيجية.
وبما أن الدولة العبرية منذ نشأتها تعيش في كنف الاستعمار فإن إستراتيجيتها السياسية والعسكرية تعكس أهداف وتطلعات قوى الاستعمار وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية حيث ترسم إسرائيل إستراتيجيتها على ضوء الإستراتيجية الأمريكية الشاملة وتتحرك على هديها وبوحي منها، بوصف الاستراتيجية الأمريكية تمثل المنطلق الذي تنطلق منه والمرجعية التي ترجع إليها لحماية نفسها والمحافظة على العلاقة العضوية بينها وبين أمريكا التي تتولى حمايتها وتدافع عنها.
ومن المعروف أن أمريكا والدول الغربية بنت تاريخها وشيدتَّ أمجادها على افتعال الأزمات والحروب على حساب الآخرين، وقد وجدت هذه الدول ضالتها في الدولة العبرية من أجل السيطرة على خيرات المنطقة وإيجاد الذرائع للتدخل في شؤون دولها المغلوبة على أمرها وإثارة الحروب هنا وهناك، كما هو الحال في فلسطين المحتلة ومحيطها العربي الممزق بسبب المؤامرات الداخلية والاعتداءات الخارجية.
ورد فعل أمريكا ومعها بعض الدول الأوروبية تجاه الحرب الحالية على غزة ومناصرة الدولة العبرية بالقول والفعل والتحدث نيابة عنها مع حشد القوات والأساطيل البحرية للاعتداء على شعب أعزل في حرب إبادة جماعية ظالمة ما هو إلا تمهيد لتنفيذ خطط مرسومة ومؤامرات معلومة تحاك ضد المنطقة تتولى إسرائيل مهمة البدء في تنفيذها عبر اختلاق الذرائع وارتكاب الفظائع، انتظاراً لردود الأفعال وتطور الأحداث والمواقف التي يتم على أساسها التمييز بين الليل والنهار من قبل قوى الاستعمار.
ورمي أمريكا بثقلها في هذه الحرب المفتعلة ذات الذرائع المضللة لم يكن جديداً فقد رمت بكامل ثقلها وشاركت بقضها وقضيضها فيما يعرف بحرب النكسة عام 67م حيث اشتركت قوى الاستعمار مع الدولة العبرية في تحديد أهداف هذه الحرب والتخطيط لها ونفذتها إسرائيل بمساندة وحماية أمريكية وأوروبية.
ومواقف أمريكا الفاضحة وتصرفاتها الشاطحة تجاه القضية الفلسطينية معروفة للجميع منذ احتضانها للكيان الصهيوني، ولكن الأمر المشين والتصرف المهين أن تذهب دولة عظمى إلى تقمص شخصية الدولة العبرية وتحل محلها، متبنِّية مواقفها الظالمة والدفاع عنها، ومؤيدة إياها على قتل البشر وتدمير المقر وارتكاب جرائم الحرب بأنواعها في مواقف منكرة وحرب قذرة ترفضها الأديان السماوية والقوانين الدولية والأعراف المرعية والمبادئ الإنسانية والقيم الأخلاقية.
وفي منأى عن المزايدات والشعارات وحتى لا تتحول الحرب إلى حرب دينية أو تأخذ مساراً تصعيدياً يدمر المنطقة يتعين تفعيل التحالف الإسلامي جزئياً أو كلياً ووقوف الدول الفاعلة في هذا التحالف موقفاً فعالاً ومؤثراً يردع القوى الاستعمارية ويجعلها تراجع حساباتها وتضغط على صنيعتها لوقف اعتداءاتها، وفي الوقت نفسه يجعل الطرف المعتدي يتراجع عن عدوانه ويرضى بالحل السياسي وفقاً للقرارات الدولية والمبادرة العربية وحل الدولتين.