عبده الأسمري
ما بين صرخة الميلاد وشهقة الرحيل يعيش الإنسان وسط «فواصل زمنية» تتقاطع ما بين الحياة والموت وتتماثل من القدوم إلى الرحيل وتتجه من أعماق «النشأة» إلى افاق «النضوج» وتتحول من «البقاء» إلى «الزوال» مما يؤكد حتمية «الرحلة» المؤقتة والمحفوفة بتكهنات «الغيب» وضروريات «الغياب».
في ظل ضرورة تحاصر الإنسان في مسلمات «العيش» وفرضيات «التعايش» والمضي في «دروب» حياة تخضع إلى حاجات أساسية واحتياجات حياتية تفرض البحث عن «موقع» على خارطة «الزمن» ما بين دواع «إجبارية» ومساع «اختيارية» تتشكل من خلالها «مشاهد» الإمضاء و»شواهد» الضياء اللذان يمنحان «البشر» المعني الحقيقي للأثر والشرط الواقعي للتأثير في مسارات مكتظة بالمصاعب والمتاعب ومدارات من العوائق والعراقيل تتطلب الانتباه لنيل «النجاة» والجد لحصد المجد في «وقائع» يحفظها التاريخ في وقع «العطاء» ويذكرها البشر في واقع «النفع».
في داخل كل إنسان «ضمير» يعيش معه متجهاً إلى يقظة الإنسانية أو سطوة الأنانية مما يجعله في حالات من الحضور والغياب وأوضاع متعاكسة من الحياة والموت وهو «الدافع» و»الموجه» و»المسؤول» عن غرفة عمليات السلوك المتعلقة بالنظر في أوجاع الآخرين والاطلاع على متاعب الغير والمعني بتحفيز ودفع وسمو هوية «الإنسان» وفق معالمها الحقيقية المعتمدة على الإعانة والمتعامدة على الفطرة التي تملك نزعات «العطاء» وتتبرأ من «نزغات» العداء التي يجيد الشيطان صناعتها في كل نفس مهيأة لأي فعل خارج إطارات «التراحم» و»التواد» و»الصلاح».
تتباين في حياة البشر السلوكيات الواجبة والأخرى المستنكرة مما يستوجب اخضاع «النفس» البشرية للاعتماد على صوت «الضمير» الذي يدوي في لحظات «الإنسانية» المفترضة و»يموت» في متاهات «الأنانية» البائسة لذا فإن «الرقيب» الداخلي هو سلطة «النقد» الأولى قبل السلوك ومنطلق «التفكير» اللاحق أثناء الأمر و»بوابة» التوجيه المعتمدة بعد القرار لذا فإن أعلى درجات «السعي» ومستويات» الوعي» أن يتخذ الإنسان قراراته من منطلقات متعددة قوامها «رقابة» الذات ومقامها «مثابة» الهدف.
يمثل «الوقت» المساحة الزمنية والبعد المرسوم الذي يصنع فيه الإنسان مسارات يومه ومدارات وجهته فمن خلاله يتم ترتيب «مواعيد» الانطلاق ووضع «خطط» العمل وتوفير جهود «النفس» وقياس أفق «الانتظار» ومن الأجدى المكوث في دوائر «الزمن» وفق ترتيب معين يستطيع من خلاله البشر حصد «ثمار» التوقيت واكتساب الفوائد وكسب العوائد في تخطيط وتفكير وتدبير يصنع للنفس إنجازا جديدا واعتزازا متجددا يوظفان «الجد» ويصنعان «المجد» ضمن عمل إنساني أو فعل بشري أو مسلك آدمي يصنع موجات «الارتياح» ويصد هجمات «الندم» ويسهم في «التصالح» الشخصي الذي يملأ سنوات العمر بالدوافع والمنافع بين حاضر معيش ومستقبل منتظر.
لو اطلعنا على النصوص القرآنية الممتلئة بجمال التوجيه وجميل السلوك والمبهجة بصنائع «المعروف» وروائع «العرفان» والمفرحة بنبل المقاصد وفضل المنافع لوجدنا أن هنالك «نداءات» لنشر «عبير» العون وتعزيز «روح» الإعانة وتحفيز «معنى» الإغاثة وكل ذلك تحت لواء «الإنسانية» التي تصنع «الخير» بكل تفاصيله وتنثر «أثير» التلاحم بين الناس الذي يرون فيها «ملاذا» آمنا من هجمات «الظروف» وويلات «الأزمات».
لدينا «قصور» في معرفة معنى «الإنسان» على حقيقته ووفق هويته التي تبرز معاني العيش القويم مع كل البشر تحت «ظلال» الشعور بآلامهم ومتاعبهم والاستشعار بأحزانهم ومطالبهم في «تحييد» تام للأنانية التي تقف وراء كل مسالك الطمع والغرور والحقد واللؤم والحسد والجحود والنكران وهي خلطة مركبة من «الشرور» التي تتقد في الأنفس ويتطلب أخمادها بروح «الإنسانية» المطلقة والمنعتقة من كل معاني الأنا والمصالح والاستغلال والزيف.
الإنسانية «مساحة» بيضاء لا تقبل «شوائب» المصالح الخاصة أو «رواسب» المطامح الشخصية وتلفظ كل الأقوال الخارجة من أطراف الألسن دون انطلاقها من أعماق القلوب وترفض كل «الدخلاء» المتسولين باسمها والمتلبسين بقيمتها الذين يجيدون «حيل» التخفي و»حيل» التبدل لذا فإنها «منطقة» الأوفياء والنبلاء والفضلاء ومنصة المعتلين منصات «الإنسان» بالسلوك والمسلك وأبطالها المذكورون في دعوات الغيب والحاضرون في استدعاءات الواجب والماكثون في «شهادات» الخلائق وهم صناع «المعروف» الذي يجيدون تأسيس «مناهج» ثابتة تقوم عليها أجيال وراء أخرى في منظومة حياتية تمنح أوسمة الشرف وأنواط الفخر في ميادين الذكر ومضامين الاستذكار.