حسن اليمني
كان وسط آسيا ملتهباً بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفييتي سواء في الكوريتين أو فيتنام وانتهت الأمور هناك إلى تقسيم مناطق النفوذ لكلا الجانبين إلى أن دخل الاتحاد السوفييتي إلى أفغانستان وخرج مهزوماً لينتهي وينقرض وتصعد الولايات المتحدة الأمريكية كقوة وحيدة تتزعم العالم حتى دخلت أفغانستان وخرجت بعد عشرين عاماً تجر أذيال الخيبة والهزيمة، وها هي اليوم تجمع أساطيلها وعسكرها وحشدها في المنطقة العربية للدفاع عن وجودها الذي أصبح مهدداً بشكل جدِّيٍّ.
روسيا والصين تتربصان للفرصة الثمينة للقضاء على الوجود الأمريكي في المنطقة العربية وتنتظران الفشل الذريع للحيل والخدع الأمريكية التي ترسم بزعمها الصورة بعد نهاية الحرب الراهنة اليوم بين فلسطين والكيان المحتل وتقترح فيه دخول قوات عربية إلى غزة كقوات سلام تمهد لوصول قوات من السلطة الفلسطينية لإدارة شؤون غزة بعد حماس - حسب ظنهم- من جانب وتهيئة المناخ لتهجير نسبة لا بأس بها من الفلسطينيين ربما لسيناء مصر وبعض الدول العربية من جانب آخر لضمان أمن وسلامة الكيان، ولا أحد عاقل يمكن أن يعتقد بنجاح مثل هذه الأفكار لكنه المسار الذي تقترحه والذي ربما أدى إلى تفجير المنطقة بشكل ينهي الوجود الأمريكي المتمثل طليعته في وجود الكيان المحتل في فلسطين، وفي نفس الوقت تدل مثل هذه المقترحات والأفكار على وجود الرغبة الخالصة بالقضاء التام على المقاومة الفلسطينية في غزة بشكل نهائي، حاولت أرتال العساكر الصهيونية اقتحام قطاع غزة ونجحت بشكل جزئي في الأطراف والمناطق الرخوة الخالية من العمران وما إن انغمست أكثر حتى ظهر عساكر صهيون يتناثرون بين قتيل وجريح، في الليلة الأولى ليلة الثامن والعشرين من أكتوبر هلك 18 صهيونياً لكنه لم يعلن ذلك لأن القتلى من الجيش الاحتياطي مزدوجو الجنسية فتم تعديل الرقم بعد نشره لفترة وجيزة واعتبارهم قتلى جنسيات أخرى وفي ليلة الأول من نوفمبر والقوات الصهيونية قد تقدمت أكثر لتتلقى عدداً أكبر من القتلى جعلهم ينوحون ويذرفون الدموع ويعلنون عن 11 ثم 15 ثم اثنين وهكذا ولم ينته اليوم إلا برقم 72 قتيلاً من فرقة النخبة فخر الجيش الصهيوني - وإن لم يعلنوا عن الأرقام إلا بالتجزئة وبحيث لا يزيد العدد المعلن عن خمسة عشر يومياً - وفي اليوم الثالث من نوفمبر حدث ما يشبه الهزيمة لجيش العدو إذ تم القضاء على نصف الكتيبة رقم 401 بالإضافة لفيلق تابع لها جميعها مخصصة للتجسس والاستخبارات شمال شرق غزة مما اضطر العدو للتراجع مسافة ألفي متر للوراء بهلاك 152 صهيونياً.
جيش الكيان ليس بالضعيف وهو الذي يعتبر أقوى جيش في المنطقة المحيطة به والقوة العسكرية للمقاومة المحاصرة ليست مدججة بأعتى وأحدث الأسلحة وبالتالي فلا وجود للمقارنة ولكن قوام الطرفين مختلف بحكم أن ميدان الحرب داخل المدن والتجمعات يميل للجانب الأخف والأسرع والأشجع في مواجهة الموت وفصائل المقاومة تمتلك هذه الأسلحة أو المعطيات في مقابل جيش بلا قضية ولا روح فدائية فماذا تعمل الآلة العسكرية الصماء؟ نعم ستدمر دون بصر وبصيرة وتقذف الحمم دون رأفة أو انضباط ونشاهد المجازر الإرهابية الطائشة في كل لحظة حتى تجعل الولدان شيباً من هول الجحيم المدمر من الطائرات في السماء إضافة إلى حصار من الغذاء والدواء والماء وإن سمح بإدخال الأكفان فمن يسمح بانتشال الأطفال والنساء والأجساد من تحت الركام الذي يتكرر عليه القصف إمعاناً في الوحشية لمرضاة الشيطان.
الفكرة الأمريكية للحل التي تبحث في بسط سلطة رام الله على غزة بما يعني أن القضاء التام على فصائل المقاومة تحصيل حاصل حسب فكرهم ورغبتهم لكن هل فعلاً الأمر بهذه السهولة، إنه في الحقيقة إعادة احتلال جديد مثل الذي حدث عام 1948م والذي ولد منظمات التحرير والمقاومة وبمعنى أنه تكرير المكرر، وكي نعرف حماقة هذا الاتجاه علينا معرفة رد الفعل المتوقع من قبل دول تتوق لاستغلال هذه الفرصة لتسخين أمريكا وطردها من المنطقة، على أن البوادر بدأت تظهر فقد نشأت مليشيا تسمى الفجر وانطلقت من شمال فلسطين اعتباراً من فجر اليوم الأول من نوفمبر ووصول دعم فاغنر الروسية لجنوب لبنان والحديث عن محاولات إدخال صواريخ روسية أرض جو للمقاومة في غزة عموماً لم يصل الأمر في غزة حتى اليوم إلى مرحلة كسر ظهر المقاومة بل إنه وخلاف ما يظهر من تدمير همجي للمدنيين هناك فإن كفة المقاومة في الحرب والدفاع لا زال يسجل نقاطاً في منتهى النجاح وكما ذكرت في السطور السابقة عن نتائج ثلاثة أو أربعة أيام بتدمير آليات وهلاك عسكر بأرقام جيدة وإن كانت أقل من الحقيقة بحكم تعمية الكيان الصهيوني على خسائره إلا أن المؤكد هو أكثر من ذلك وإذن لا زالت المواجهة في بدايتها ونتائجها حتى الآن جيدة.
لا أحد اليوم يتحدث عن وقف تام لإطلاق النار وإنهاء الحرب والدخول في معالجة سياسية بل إن الحديث لا يتجاوز هدنة لساعات تسمح بخروج الأجانب من غزة وبعض الجرحى الذين توافق عليهم قوة الاحتلال وإدخال أكفان في الاتجاه الآخر بما يعني أن خطط التنفيذ لمرحلة ما بعد المقاومة هو السائد بين الأطراف المهتمة.