د.عبدالله بن موسى الطاير
ليس بالضرورة أن تكون يهوديا لتكون صهيونيا، يتردد هذا الخطاب كثيرا على مسامعنا في الوقت الراهن. يعود هذا الادعاء إلى أن العديد من الإنجيليين يؤمنون بالمفهوم اللاهوتي للصهيونية المسيحية، ويعتقدون بأن دولة إسرائيل الحديثة هي تحقيق لنبوءات الكتاب المقدس وجزء مهم من خطة الله لمستقبل البشرية. يفسرون آيات من الكتاب المقدس، وخاصة العهد القديم، كدليل على وعد الله المستمر للشعب اليهودي وارتباطهم بأرض إسرائيل.
الإنجيليون يمثلون مجموعة متنوعة من المسيحيين، وتتباين معتقداتهم الدينية والسياسية بشكل كبير. يمثلون ما بين 30 - 35 % من الأمريكيين، ولهم نحو 45 ألف كنيسة في الولايات المتحدة الأمريكية. يؤمنون بعصمة الكتاب المقدس، وأهمية التوبة والإنابة من المعاصي، وضرورة التبشير ونشر المسيحية على المستوى المحلي والدولي. يميلون إلى التشدد أكثر من الجماعات المسيحية الأخرى، وغالبًا ما يعارضون الإجهاض، وزواج المثليين، وغيرها من القضايا الاجتماعية.
من الناحية السياسية، يشكل الإنجيليون قوة رئيسية في الحزب الجمهوري، وهم كتلة تصويتية لا يستهان بها، ولهم دور فعال في دعم المرشحين والسياسات المحافظة، مثل التخفيضات الضريبية للأثرياء وإلغاء القيود التنظيمية على الشركات، وهم في طليعة الحروب الثقافية والحراك الفكري داخل المجتمع الأمريكي. يشعر الإنجيليون أن قيمهم الدينية تتعرض لهجوم مستمر يستهدف الهوية المسيحية تقوده الثقافة العلمانية الرائجة، ويطالبون الحكومة (العلمانية) بوجوب تعزيز القيم المسيحية، وينشطون في التصدي للسياسات التي يرون أنها تقوض القيم المسيحية المحافظة.
أجندة الإنجيليين السياسية ليست محلية فحسب، فهم يعتقدون أن بإمكانهم إحداث تغيير في العالم، لأن «الرب» قد دعاهم للانخراط في السياسة، وهم ملتزمون بانتخاب مرشحين يشاركونهم قيمهم ويعملون على التبشير بها. نشاطهم السياسي مثير للجدل، ويراه البعض قوة إيجابية، لأنه يساعد على ضمان تمثيل القيم المسيحية في العملية السياسية، ويرى آخرون أنه قوة سلبية، لأنه يؤدي إلى الثيوقراطية وفرض القيم المسيحية على الآخرين.
ربما يقابلهم في كثير من الأدبيات السلفيون عند المسلمين السنة، وبينهم تماثلات وتباينات كثيرة، إذ تؤكد كل من السلفية والإنجيلية على النصوص المقدسة (النقل). في حين يعتقد السلفيون أن القرآن الكريم والحديث الشريف هما المصدران الرئيسيان للتشريع، يعتقد الإنجيليون أن الكتاب المقدس هو كلمة الله المعصومة من الخطأ. تؤكد كل من السلفية والإنجيلية على أهمية التوبة والإنابة إلى الله من الذنوب والخطايا. ويعتقد السلفيون أن المسلمين يجب أن يعودوا إلى ممارسة شعائر الإسلام كما مارسها النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، في حين يعتقد الإنجيليون أن الناس يجب أن يؤمنوا بيسوع المسيح باعتباره سيدهم ومخلصهم الشخصي.
السلفية والإنجيلية حركتان معنيتان بالدعوة إلى الدين والتبشير به. ويعتقد السلفيون أن من واجبهم نشر الإسلام ووصول رسالته أصقاع العالم، ومثلهم يعتقد الإنجيليون أن من واجبهم نشر الإنجيل والديانة المسيحية، ولذلك تتقاطع أهدافهم وتتعارض مصالحهم.
فصول التاريخ الإسلامي والمسيحي تكتنز الكثير من الأحداث التي استدعي فيها الدين من أجل المحافظة على نظام قائم أو الانقلاب عليه، وتعتبر هاتان الفرقتان الأشد بأسا في الديانتين الإسلامية والمسيحة. ولا ريب أن إسرائيل تضع الطرفين في مواجهة بعضهما البعض بغض النظر عن التوقيت.
أحداث غزة الأخيرة وهجوم 7 أكتوبر أشعر الإنجيليين بالرعب، فما فخططوا له منذ عقود، وما تواصوا على حمايته بدا لهم وكأنه إلى زوال، ودخل بتلك الأحداث دائرة عدم اليقين، وهو ما استدعى ردا أمريكيا لم يكن متوقعا ويخالف بالضرورة جميع الالتزامات السياسية والإنسانية الأمريكية، ولقد صبغت الكثير من التحليلات والتصريحات الغربية عموما والأمريكية خاصة العدوان على غزة صبغة دينية، وما زالت الدعوات تستحث الحسم على أساس ديني ضد الوحوش العربية، حتى لا يحبطوا خطتهم لعودة المسيح.