ارتقاء
الاتفاق على مصطلح الازدراء أو التجديف أو الانتقاص وغيرها من الشعارات الناعمة هذا عسر في كثير من الأوقات كما تفيض بها وسائل الإعلام؛ فما يدور عليها من تباين الأفهام وقراءة الموقف يدور أيضًا حول الأحكام الشرعية.
إذًا كيف نتصور الاتفاق على المفاهيم والقواعد والأفكار والمقولات البشرية، وهناك آيات كريمات إلهية متشابهة! هذا مستحيل، فيه هدر للأوقات والطاقات.
قدم كتابنا الكريم الخالد حلولًا للمؤمنين والمنتسبين إليه اعتقادًا وقولًا وعملًا.
من أبرزها وأجلَّها، ما جاء في سورة آل عمران آية 7.
نُرجع المتشابه إلى المحكم، والفرع إلى الأصل، والاستثناء إلى القاعدة، والخارج عن السياق إلى داخله، وسؤال أهل الذكر كل في مجاله وهكذا.. فإن لم نستوعب أو نقتنع أو ندرك الحكمة -قطعًا بعض المسائل لا ولن تدركها العقول ولو اجتمع الإنس والجن مدى الدهر- فلا سبيل لنا إلا التسليم والاستجابة والطاعة ولابد وليس التمرد والعصيان أو يقول أحدهم: حرية رأي وآخر يقول: رجال مقابل رجال.
نحن نعمل بها في مسارنا المادي البشري، فلمَ نستكثر عملها في مسارها الروحي الشرعي والقفز عليها أو تشويه نقاء روحها.
ومع هذا بعض الخلق لا يكفون عن الجدال، حتى رأينا -الرؤية العلمية- مِن خلقه مَن يجادل ربه داخل النار.
لهذا جاءت في أول طريقك عند قراءة هذا الكتاب الراشد مع أن السورة التي سبقتها أشارت لهذا المعنى كما في قصة البقرة {وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ}.
الدكتور عبدالحق عزوزي -حفظه الله- كتب مقالة بعنوان: (خطورة ازدراء الأديان) يوم الجمعة/ السبت في جريدتنا الجزيرة 3-1-1445هـ الموافق 21 يوليو 2023.
نستأذنكم في الحديث عن وخطورة بعض المصطلحات التي كتبها، ويقيني أن الكاتب متفق مع أخيه بحجية الكتاب الكريم والسنة النبوية وأنها الحاكمة على ما سواها وليس العكس، ولما تأخر الكبار لم يكن من تقدم الصغار أمثالي بد، حين رأيت غصن شوك فاجتهدت في أخذه حتى لا يؤذي المارة من المسلمين.
بقية الفكرة إن شاء الله تكتمل
عبر النقاط الخمس الآتية
1/ من أراد أصول هذه الأديان وشرائعها التي أنزلت على موسى وعيسى عليهما السلام، وما اشتمل عليهما التوراة والإنجيل المنزلين من الهدى والنور، فهي لا شك أديان سماوية بهذا الاعتبار، والإسلام إنما جاء يكمل هذه الأديان تكميلاً مهيمناً، وناسخاً، فالقرآن الكريم نزل مصدقاً لما سبق من الكتب الإلهية.
أما من يقصد بإطلاقه «الأديان السماوية» ما عليه اليهود والنصارى اليوم من عقائد محرفة، وكتب مبدلة، وشرائع منسوخة مشوهة، فهذا إطلاق باطل لا يُصح؛ لأن التحريف الذي أصاب هاتين الديانتين قطع الصلة بين واقعهما الحالي وبين السماء، فلم تعد سماوية أبدًا، بل هي -على تلك الحال- أديان أرضية.
كما لا ينبغي التكلف في رد هذا الوصف مطلقاً، ولا يجوز المسارعة إلى اتهام من يستعمله من المسلمين، ولكن يحسن التنبيه والتذكير لهؤلاء الإخوة أو الهيئات الشرعية والمنظمات الإسلامية.
2/ من الحلول التي لم تذكرها المقالة أن الشريعة الغراء هي الحاكمة على المصطلحات والمقولات مهما بدت نبيلة ونافعة وليست محكومة إليها، إننا على يقين أن الخطاب القرآني يشكل المرجعية الحاكمة للتصورات الدينية والدنيوية، والمقال لا يدعم هذا التوجه -مع الأسف- ولكن يرجعها للنظام الدولي أو القانون العالمي أو الأسرة الإنسانية الواحدة أو بيت المجتمع الحضاري -كما فعل الكاتب.
الأمر كما قلناه يقرره الأمر الشرعي فقط! وليس الإنساني أو المزاج السياسي أو الاتجاه الاجتماعي أو التيار الشعبي السائد.
هنا إشارة لموقف شجاع من حكومة بلدي -رعاها الله- حين قامت وزارة الخارجية باستدعاء القائم على أعمال السفارة السويدية لدى المملكة وتسليمه مذكرة احتجاج على التصرفات غير المسؤولة والمتكررة للسلطات السويدية حين تمنح بعض المتطرفين التصاريح الرسميّة لحرق وتدنيس نسخ من القرآن الكريم.
لا تقبل حكومة بلدي وشعبها المسلم هذه الاستفزازات الممنهجة وغيرها من الأعمال المشينة لمشاعر الملايين حول العالم .جعل الله ذلك في موازين حسنات القائمين.
ما قيمة أن تكون الدولة في مقدمة الدول الحاصلة على مؤشر السعادة العالمي وبعض
غلاتهم يتعمدون بث الحزن والغضب في قلوب الملايين، أو تتقدم في مؤشر التعليم
والنخبة يمنحون التصاريح للقيام بأعمال مشينة تنتهك حقوق الإنسان.
3/ كتب د. عبدالحق عزوزي -حفظه الله: (إن التكفيريين الذين تعج بهم بعض المجتمعات يزرعون قواعد الكراهية وازدراء الأديان في عقول البشر ليكون الأمر إما حقًا أو باطلاً، والموقف إما هدىً أو ضلالاً، والألوان إما أبيض أو أسود، والحاكم إما ملاكاً أو شيطاناً، والشخص إما مسلماً أو كافراً وهلم جراً...) ا.هـ. هذا التصنيف والتقسيم للبشر (الهدى والضلالة والإسلام والكفر) يرفضه الكاتب، وهذا تقسيم نزل من لدن الله العزيز العليم فكيف يفعل أمام هذا النص الصريح؟ {وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (سورة سبأ: 24)، {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} (سورة التغابن: 2).
نحن نتكلم عن وصف الإطلاق العام ولا نقصد الإطلاق الخاص أو المعين، فهذا لابد من توافر الشروط وانتفاء الموانع وعند دوائر القضاء وليس لآحاد الناس كما قررته شريعتنا الغراء وعلماؤنا الفضلاء أو حسب ما ورد من أسماء معينة ذكرها كتابنا الخالد كفرعون المستبد وأبي لهب المترف.
4/ الدين المرضي هو الإسلام وما سواه من أديان وشرائع إما باطلة أو منسوخة، وليس كما عبَّر الكاتب (وحدة الأسرة البشرية) وغيرها من العبارات الناعمة التي تضخها وسائل التواصل حيث قال الله جل وعز: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ}، وقال العزيز العليم {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، هذه الصورة الأخيرة لدين الله، هذا المرجع الأخير الذي أنزله الله إلى البشر يبقى بلا تعديل ولا تبديل ولا تغيير ولا تحريف ولا تدليس.
5/ ديننا العزيز السمح هو الذي أوجب العدل وحسن التعامل مع خصومهم، بله ذهب أكثر الاستفادة من مخترعاتهم وتقرير مجهوداتهم والتعاون على المصالح الدنيوية المتوافقة مع الشريعة وهذا عين العدل! لا غلو ولا جفاء. فلا نخلط الأوراق.
شروق
أهل الإسلام والعلماء الفضلاء عليهم أمانة كبرى في بذل الحق، وشرح الإسلام ومحاسنه ويبينوا حقيقته لجميع الأمم باللغات التي يفهمونها والوسائل الحديثة، حتى يبلغوا عن الله وعن رسوله دينه، كما يجب عليهم أن يكشفوا الشبه التي يشبه بها أعداء الله أو المتأثرين بها أو المتعثرة رؤاهم بما يسمَّى موازنة الأديان وغيرها من الشعارات الناعمة المتشابهة.
إن الإسلام المرضي عند الله يذم اليهود والنصارى بوصفهم الذي ورد في كتابه الكريم ويعيبهم بأعمالهم القبيحة ويصرح بكفرهم تحذيرًا للمسلمين منهم عن الدّين، غير أنه أمر أتباعه المؤمنين الصادقين بحسن المعاملة مع العدل والتعاون في مصالح الدنيا المتسقة مع الشريعة، والشواهد النبوية والمواقف الكريمة في هذا كثير.
(التقارب الممنوع الذي يمس العقائد.. ممنوع! أما المسموح المتعلق بأمور الدنيا وتقره السياسة الشرعية).
هذا الاعتقاد الرباني المنزل من السماء، والصريح في أصدق الكتب على الأرض، وأحسنها بيانًا بين الخلق.. هل يصنف الآن تحت ازدراء الأديان؟