حاول بكل ما أوتي من قوة أن يفتح عينيه فقد سمع صوت الأذان ولابد أن ينهض ليصلي الفجر, ولكن قوة الهوى والشيطان حاولت أن تهزمهُ وكاد أن يعود إلى سبات النوم اللذيذ واسترخى جسده معلناً استسلامه في معركته تلك, ولكن تلك الروح المؤمنة انتفضتْ من جديد لتنبعث الحياة في ذلك الجسد وينهض وهو يقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كادت أن تفوتني صلاة الفجر, أنهى وضوءه وذهب إلى المسجد مسرعاً.
لأن لديه اليوم مقابلة هامة ويريد أن يطرح بين يدي مولاه مسألتهُ لعل الله أن يكتب له التوفيق في تلك المقابلة.
أنهى صلاته منشرح الصدر، وعندما عاد إلى المنزل أراد أن يسترخي قليلاً فما زال النعاس يداعب أجفانه رغم ذلك الماء البارد الذي توضأ به ولكن هيهات له بتحقيق تلك الأمنية العزيزة.
استعاذ بالله من الشيطان وهو ينظر إلى سريره برغبة شديدة بالاستلقاء والغوص في أحضانه, ولكن جرس المنبه رن ليعلن أن موعد الدوام قد اقترب وعليه أن يستعد, فهو يعمل في مهنة التدريس ولا يعلم مدى شقاء أصحاب هذه المهنة العظيمة إلا من قاسى من ضغوطها. صوت المنبه ذاك قضى على كل معالم الأمل في العودة إلى ذلك السرير
فاستدار منصرفاً وودعه كما يودع التاجر المُفلس قصره البهي.
وبعد أن أكمل استعداده وقف أمام المرآة لا ليُسرِحَ شعرهُ, فقد أقسم حتى الشعر أن يغادره.
أخذ يتأمل وجهه ويحاول أن يبحث عن مظاهر الوسامة ولكن عز عليه أن يجدها وكأن عينيه الصغيرتين واللتين زاد من اختفائهما جفنان مرتخيان فوقهما وأنفه الكبير وشفتاه العريضتان وبشرته السمراء تقولان له عما تبحث أيها الغبي ولكنه مسح شاربه العريض ليقول مُهمهماً لا عليه هذا الشارب يعطيني منظراً جميلاً وأما أنتما أيتهما العينان الصغيرتان فهذه النظارة الشمسية ستُخفيكما كما أني رجل أنيق والأناقة نصف الجمال وابتسم ابتسامة الرضى ومضى يحمل أغراضه ذاهباً إلى مدرسته وهو لا يعلم كيف سيُفاتح مديرهُ بطلب الاستئذان فاليوم يوم مفصلي في حياته ولكنه هَدَأَ من توترهُ قائلاً لنفسه, لقد قرأتُ أذكاري ودعاء التسخير الذي سمعتهُ من إمام المسجد وبالفعل تم له ما أراد وخرج من مدرسته, في الساعة التاسعة صباحاً متجهاً إلى ذلك المبنى الحبيب وقف يتأمل مدخلهُ بكل هِيامٍ وعشق. ويتفحص المارة والموظفين ويراهم كالملوك في أجمل حُللِهم.
قادوه إلى صالة الانتظار ومرت ساعة على انتظاره وبدأ الملل يسري إلى قلبه ومرت ساعة أخرى نهض بعدها يستفسر من السكرتير الجالس أمامه ليرد عليه بابتسامة صغيرة إنه مشغول الآن إذا أحببت أن تغادر وتعود في يوم آخر فلك الحرية، وأهلاً بك في أي وقت.ولكنه قال في نفسه لا يمكنني المغادرة فلقد تعبت حتى حصلت على هذا الموعد. وجلس منتظراً إلى ما يقارب الأربع ساعات. حتى ظن أن هذا الموعد مجرد كذبة ووهم ولكن صوت السكرتير وهو يقول له تفضل كان كالماء الذي سُكبَ على نار اليأس المضطرمة في داخله.
نهض ودخل كله أمل. استقبله رئيس التحرير بكل ترحاب وقال له إن كتاباتك جميلة جداً. بل رائعة، وأخذَ نفساً عميقاً، وقال أنت أفضل بكثير من الكاتب الذي تعاقدتُ معه للتو (ولكنه موصى عليه وتعْلم لا نقدر أن نرُده), لذلك نعتذر منك لا يمكننا قبولك ثم اقترب منه وصافحهُ وكأن هذه المصافحة تعزية له وقال له صدقني ستصبح كاتباً فذاً.
سحب يده من يد رئيس التحرير وقال عندما أصبح كاتباً كبيراً صدقني لن يسعدني أن أكون كاتباً في جريدتكم ومضى.