حسن اليمني
عدالة الظلم والقهر لم تعد عوراء، بل تبجحت بشكل مزعج ومؤذ للشعور الإنساني على اختلاف قواعد أخلاقه وأديانه وثقافاته، يقتلون الأطفال وكبار السن بالجملة دون رأفة أو حتى مشاعر حيوانية تهش لمعدومي الحيلة بخروج تام عن القيم الإنسانية التي لا تتجاوز أنوفهم، وبكل عنجهية وغطرسة يتكاتفون ويتسابقون على الانسلاخ من النظم والقوانين العدلية بكل صلف، محتجين بالنظام العالمي والقانون الدولي، حتى يكاد يعتقد كل إنسان على كوكب الأرض أن انقلاباً في الفطرة البشرية قد حدث دون علمه، وصار مجنوناً، وفقط ثلة من المجرمين والإرهابيين هم الذين صاروا من بين البشر، هم من يقرر العدل والظلم، بحسب انفصالهم عن الواقع، في مشهد يجعلك تتصور أن العالم برمته مخطوف بأيدي تلك العصابة الإجرامية، ولا سلامة إلا لمن تبعهم واهتدى بظلمهم.
المشهد المثير للسخرية أن يظهر كبيرهم ليعلن أن العالم أصبح في حاجة لنظام عالمي جديد، هكذا أعلن العجوز بايدن، ولم تذكر وكالات الأنباء الناقلة لهذا الخبر أنه قد بدا أنه يشعر بخجل أو أنه يمارس نوعاً من مزاح مع رؤساء الكيان المحتل، ولا عجب في ذلك بعد أن حشد أساطيله الحربية المحملة بالصواريخ النووية لمحاربة مجموعات تقاوم القنابل بالصدور العارية، بعد تفريغ البطون من الغذاء، والجفون من النوم، والمشافي من الكهرباء، والهواء من الأوكسجين، والركض فوق أجساد أمهاتهم وأطفالهم المدفونين تحت ركام التراب والخرسانات الأسمنتية فيا منطق الشيطان.
جيش الكيان المحتل المدججون بأعتى الأسلحة هزموا شر هزيمة صباح يوم السبت السابع من شهر أكتوبر، ونقطة آخر السطر، فكل ما يفعلونه منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم إنما هو سلوك المدلل الأحمق الذي لا يملك من الصواب ذرة تحد من جنون ضعفه وتفاهته، فكل ما يفعله الكيان المحتل اليوم في فلسطين مدعوماً بأساطيل وجند داعميه، ليس إلا تعبيراً عن مدى القهر والغبن الذي تلبسه وغشاه، وهم أي الكيان المحتل يعلم تماماً أن ابتلاع الهزيمة موت، والفجور الإرهابي أيضاً طريق للموت بشكل أقوى وأكبر، روسيا تعطل وتشوش الاتصال على الأسطولين الأمريكيين في المتوسط، والصين ترسل ست مدمرات لتنضم إلى ست سبقتها في المنطقة ودول إقليمية صارت تتململ إزاء ما يحدث، ولا ضمان لعدم انفجار المنطقة بأي لحظة، ففي النهاية هناك خياران لا ثالث لهما، الأول يقود للعودة لقرار التقسيم 181، والثاني يقود لنهاية الكيان وزواله، هذه هي النتيجة الماثلة أمام راهن الحدث اليوم، ومحاولة خطف العنتريات العربية، تلك التي دعت لرمي إسرائيل في البحر، لا تصلح للاستخدام الإسرائيلي إزاء غزة، وكما نعلم فإن الضغط على الأنف يدمع العين، ولا الدول الطامحة في صناعة نظام عالمي جديد تقبل تفويت هذه الفرصة لسحق نظام الظلم والقهر العالمي الذي بانت عورته حتى تعرى تماماً.
ولن يكون غريباً ولا عجيباً أن اختار الكيان المحتل الانتحار في أنفاق غزة، فهو يملك من الأسلحة أشدها فتكاً في العالم كله، ولا عاقل في هذا الكون يرى تكافؤا بين قوة الكيان العسكرية وقوة المقاومة التسليحية المحدودة، مهما بلغت قوة القلوب والأفئدة، لكن جريمة كهذه وإن سرّت الجبناء فلن تفوتها قوى تتربص بأمريكا، وتتحين الفرصة للانقضاض على نظامها المتغطرس، خاصة أن ساحة الميدان بعيدة عن حدودها، وفرص الاستثمار بتوفر الأدوات والاستعداد والرغبة في تهشيم أنف النظام العالمي المنهار موجود وبكثرة في المنطقة، ولا ينتظر إلا إطلاق الشرارة فقط، لتتحول المنطقة إلى جحيم، وبالمناسبة إذا كان الكيان المحتل يمتلك السلاح النووي فإن المقاومة الفلسطينية هي أيضاً تمتلك السلاح النووي، وهذا ليس سرًّا، فصاروخ واحد على مفاعل ديمونة كفيل بإسدال الستار على حقبة من التاريخ وفتح صفحة جديدة.