طلال أبو غزالة
لقد أصبحت منازلنا ومكاتبنا بل وبيئاتنا كلها متصلة بالإنترنت، وأصبحت خدمة الإنترنت التي لا تتوقف لا تقدر بثمن في حياتنا. أما الأجيال الناشئة، فهي لا تستطيع أن تتخيل الحياة بدون إنترنت، كما استسلمنا نحن أيضًا لجاذبية الإنترنت والراحة التي يوفرها، وأصبحنا نعيش حياة رقمية، تتغلغل في جميع مجالات تفاعلاتنا العامة والخاصة.
لقد تحول مستوى توقعاتنا لتقنية الإنترنت من أجهزة (المودم) البطيئة المعتمدة على الهاتف في الماضي إلى سرعات إنترنت مذهلة، تتيح لنا تنزيل معلومات حجمها يقدّر بالجيجابايت في دقائق، بدلًا من أيام كما كان يحدث منذ 20 عامًا. لقد أصبحت أعمالنا ووسائل ترفيهنا رقمية بصورة متزايدة، مما فتح شهيتنا التي لا تشبع للمزيد من المحتوى الرقمي، مثل التسوق والبث واللعب والعمل عبر الإنترنت، وهو ما يمكن رؤيته في انفجار تلك المنصات والتقنيات التشاركية على مستوى العالم. ومن المتوقع أن يتزايد هذا الاتجاه، مع اتصال المزيد من الأشخاص حول العالم بالإنترنت، وزيادة سرعات الإنترنت لمجاراة الطلب المتزايد بصورة غير مسبوقة.
إن الأداة الحديثة للاتصال بالإنترنت في بيئاتنا المحيطة هي في الغالب الواي فاي (وايرلس فيديليتي)، وهي تقنية لاسلكية تستند إلى موجات الراديو، التي أثبتت أنها وسيلة اتصال قوية، توفر سرعات اتصال كبيرة بتكلفة معقولة. وقد ظهرت بالصورة التي نراها حاليًّا في عام 1997. ومنذ ذلك الوقت، خضعت للعديد من التحسينات، مثلها مثل أي تقنية أخرى، لجعلها أسرع وأكثر اعتمادية وأكثر أمنًا، مع تطور احتياجاتنا.
ومع أن سرعات الواي فاي المتاحة لدينا حاليًّا عالية، إلا أنه أصبح جليًّا أننا سنكون بحاجة لسرعات أعلى في المستقبل، مع تطور الواي فاي، شأنه شأن أي تقنية أخرى. وأنا أرى أن هذا التطور التقني يحدث الآن عبر ما يسمى اللاي فاي (لايت فيديليتي)، وهي تقنية ستحدث ثورة في الاتصال بالإنترنت وستحل في نهاية المطاف محل الواي فاي بسرعات أكبر بكثير. فأعلى سرعة ممكنة يوفرها الواي فاي باستخدام التقنيات الحالية هي 10 جيجابت/ ثانية. ويمكن الوصول لتلك السرعة باستخدام معيار واي فاي 6 الأحدث، واستخدام قنوات متعددة في وقت واحد. ومع ذلك، فإن السرعات الفعلية قد تحدّها عوامل عدة، مثل المسافة الفاصلة عن الراوتر والتداخل من الأجهزة الأخرى والزحام على الشبكة.
أما اللاي فاي، فهو يستخدم طيفًا مرئيًّا من الضوء والأشعة تحت الحمراء لنقل البيانات، وهو أكبر بـ2.600 مرة من طيف ترددات الراديو بأكمله. وفي الاختبارات الواقعية، أظهر اللاي فاي أنه يمكنه توفير سرعات تصل إلى 100 جيجابت/ ثانية، وفي أحد الاختبارات المعملية تجاوزت سرعته الـ 224 جيجابت/ ثانية. وهو ما يعد نجاحًا باهرًا فيما يتعلق بتقديم سرعات إنترنت أعلى، والعمل جارٍ على تطوير معايير اتصال جديدة لتسهيل التوافق بين اللاي فاي والواي فاي.
من الواضح أن اللاي فاي يوفر معدلات بيانات أسرع، وزمنًا أقل للاستجابة، وأمنًا أفضل، واستهلاكًا أقل للطاقة، وتداخلًا أقل من الواي فاي، مما يتيح تطبيقات جديدة في مجالات مثل الإضاءة الذكية، ونظام تحديد المواقع داخل المباني، والاتصال بالمركبات، والاتصال تحت الماء، والواقع المعزز.
إلا أن أحد التحديات الرئيسية التي تواجه اللاي فاي هي ضرورة وجود خط رؤية بين المرسل والمستقبل، مما يحد من التغطية وحركة الأجهزة. ومع ذلك، فإنه يمكن التغلب على هذا التحدي عبر استخدام مصادر متعددة للضوء، ونقاط متعددة، وأنظمة هجينة تعمل باللاي فاي والواي فاي. كما يجري مناقشة توحيد أجهزة اللاي فاي وتوافقها بين قادة الصناعة والأطراف المعنية الأخرى، مما يعني أن هذه التقنية ستصبح أكثر شيوعًا بمجرد حل المشكلات.
لقد طُبقت تقنية اللاي فاي بالفعل في إعدادات معينة عبر العالم في دول مثل فرنسا وإسكتلندا وهولندا والهند وغيرها. كما استخدمها الجيش الأميركي في بعض قواعده بسبب مستوى الأمان العالي الذي توفره مقارنةً بالواي فاي.
أرى أنه في المستقبل القريب، سيصبح الاستخدام الهجين للواي فاي واللاي فاي شائعًا، خصوصًا مع انتشار هذه التقنية، وتوحيد البروتوكولات، وحل مشاكل التوافق، وتوفير مُصنعي الأجهزة معدات أرخص سعرًا لشبكات اللاي فاي. ويتيح هذا النهج الهجين تحسين أداء الشبكة، عبر السماح لشبكات الواي فاي بتفريغ الحركة الجارية عليها إلى إعدادات اللاي فاي، التي ستحل محل الواي فاي كليًّا في نهاية المطاف.