د. محمد بن أحمد غروي
لا يزال البطش الإسرائيلي على أهل غزة مستعرًا، ونحن على أعتاب شهر كامل من قطع الإمدادات والغذاء والدواء رغم قرار أغلبية الأمم المتحدة -غير الملزم- بالعمل على هدنة إنسانية فورية. دول رابطة جنوب شرق آسيا (آسيان) جمعيها - باستثناء واحدة امتنعت عن التصويت- كانت مع مشروع القرار العربي لوقف إطلاق النار في غزة، وهو يمثّل رمزية تاريخية بكل المقاييس.
رغم تماسك آسيان وتوحيد قراراتها في العديد من الملفات إلا أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي شق صف وحدتهم، ومن المعلوم أن قوام الرابطة عشر دول إضافة إلى تيمور الشرقية بصفة مراقب والتي ستنضم مستقبلاً، مختلفين في لغاتهم وثقافاتهم ومعتقداتهم وحتى في تقاربهم الإستراتيجي مع الدول العظمى والمحورية، وما يحدث في قطاع غزة من عدوان همجي إسرائيلي بين عمق الاختلاف الجوهري بينها تجاه الحدث خاصة، والقضية الفلسطينية عمومًا.
دول جنوب شرق آسيا ردت على الصراع المتصاعد بين فلسطين وإسرائيل بطرق متباينة وفق كل دولة وعلاقتها بالبلدين، ومنظورها الخاص عن الصراع، فالموقف السنغافوري اتسم بالانحياز الكامل للدولة العبرية، فوزارة خارجيتها أصدرت بيانًا أدانت الصواريخ التي تطلقها «حماس»، ووصفتها بـ»الهجمات الإرهابية»، يُفسر هذا الموقف مدى الارتباط المتين بينها وبين إٍسرائيل، خاصة من الناحية العسكرية والتكنولوجية، حيث تعود العلاقات بينهما إلى عام 1968، وفي العام الماضي أعلن وزير خارجية سنغافورة عن عزم بلاده افتتاح سفارة لها في تل أبيب بعد مرور 55 عامًا على العلاقات الثنائية.
الفلبين دولة لها ميول غربية ولها مصالح إستراتيجية مع العالم العربي، وقد عبرت عن عزائها لمن فقدوا أحباءهم في الهجمات على المدنيين، ولم تسم أي جماعة فلسطينية بعينها، كما أوردت وكالة الأنباء الفلبينية تصريحات تتفهم حق الدول في الدفاع عن نفسهم ضد العدوان، ووجه الرئيس ماركوس جونيور بالتنسيق بين سفارة مانيلا في تل أبيب ومكتب العمال المهاجرين في إسرائيل لمساعدة الفلبينيين العاملين في منطقة الصراع، الذين يصل عددهم إلى 30 ألف شخص.
وخلال الحرب الحالية قُتل قرابة 18 تايلانديًا، حيث يصل عدد الجالية التايلاندية في إسرائيل إلى 20 ألف شخص، ورغم العلاقات التي تجمع بين تايلاند وإسرائيل، ومع ميول بانكوك في تصريحاتها وتقديم عزاء بلاده للحكومة الإسرائيلية والمواطنين عن قتلاهم، إلا أنها دعمت الحلول التي تقضي بالسماح للفلسطينيين والإسرائيليين بالعيش معًا.
نفس النهج اتبعته فيتنام التي استنكرت حكومتها بشدة الهجمات على إسرائيل، مطالبة بالمفاوضات وحل الخلافات بالوسائل السلمية، تلتها كمبوديا التي أعلنت أسفها عما يحدث هناك، مستنكرة كل أشكال العنف وداعية جميع الأطراف لضبط النفس والبحث عن سبل لخفض التصعيد.
لكن ماذا عن ماليزيا؟ تصدرت كوالالمبور المشهد الآسيوي بالوقف الكامل والمماثل للموقف العربي رافضة العنف الإسرائيلي داعمة فلسطين بشكل صريح، مصدرة بيانات عدة وحركة دبلوماسية بدأت من الرياض في زيارة رئيس الوزراء أنور إبراهيم إلى المملكة ولقائه بسمو ولي العهد، وناقش الجانبان مجريات الأحداث في غزة، كما عبرت عن قلقها العميق إزاء فقدان العديد من الأرواح بسبب التصعيد الأخير للعنف في قطاع غزة وما حوله، كما ذكرت في بيان حكومي «يجب ممارسة أقصى درجات ضبط النفس ووقف التصعيد، والاعتراف بالسبب الجذري. لقد تعرض الفلسطينيون للاحتلال غير القانوني الذي طال أمده، والحصار والمعاناة، وتدنيس الأقصى، فضلاً عن سياسة السلب والنهب على يد إسرائيل باعتبارها المحتل.»
رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم الذي طلب الغرب منه إدانة الجانب الفلسطيني، والضغط على حكومته، ذكر أن المُسبب لأحداث السابع من أكتوبر، هو للظلم الذي تعرض له الشعب الفلسطيني، مبيناً أن ماليزيا تظل متضامنة مع نضال الفلسطينيين، حيث تم جمع 100 مليون رنجت ماليزي للصندوق الائتماني الإنساني لشعب فلسطين (AAKRP) الذي تديره وزارة الخارجية، وذلك في أعقاب الصراع الأخير في قطاع غزة. ومن يتابع لحالة الماليزية يجد أن القضية الفلسطينية أضحت محورًا رئيسًا لأجندات كوالالمبور، بل إن الأحداث الأخيرة أسهمت في توحيد صفوف المتناحرين سياسياً من الأحزاب الملاوية والمتعاطفة من الأحزاب الصينية والهندية وغيرها.
بروناي دار السلام تضامنت أيضاً مع الشعب الفلسطيني، مطالبة في بياناتها إسرائيل وفلسطين بالالتزام بالقانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة.
وفي إندونيسيا اهتم الإعلام بتغطية الحرب ونقل عدة تصريحات لمسؤولي الحكومة والرئيس الإندونيسي، ومن المهم الإشارة إلى عدم وجود علاقات رسمية لجاكرتا مع إسرائيل، وتؤكد باستمرار على وقوفها إلى جانب القضية الفلسطينية وشعبها، وحتى قبل تصاعد الأحداث دعت وزيرة الخارجية، ريتنو مارسودي، الأمم المتحدة إلى تبني حل بشأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل إن الرئيس جوكو ويدودو، دعا إلى إنهاء العنف بين فلسطين وإسرائيل وتجنب تبعات الصراع الإنسانية، ووقف الحرب والعدوان، وحل جذور الصراع، وفق الحدود التي أقرتها الأمم المتحدة.
ويمكن القول إن قمة الرياض التي جمعت رابطة دول الآسيان ومجلس التعاون الخليجي، وحدت بشكل كبير -رغم التباين- رؤى آسيان لتتماشى مع القرار الخليجي والعربي، فكان من ثمار القمة الأول «بيان غزة» المشترك الذي دعم مبادرة المملكة لإحياء السلام في منطقة الشرق الأوسط أعقبها القرار التوافقي بالهدنة الإنسانية.