علي الخزيم
ـ هي مُلحَة لمُراهق أراد مداعبة جَدته ومشاهدة ردة فعلها حين ترى مُقدمة الضّب الصغير تظهر تحت إبطه، لكنه لم يجد منها سوى الابتسامة؛ والتَّفاعل مع خدعته بروح الدعابة من المُسنين الطيبين كعادتهم مع الصغار، وأيضاً لأن هذا الحيوان طيِّب ومُسالم.
ـ الكبار مِمَّن عَرفُوا معنى الحياة ومقوماتها يُدركون أن المَرح والدعابة مع الأهل والأبناء قيمة حياتية لا غنى عنها بحدود اللباقة والآداب العامة؛ ودون المساس بكرامة الكبار أو التقليل من قدراتهم العقلية والنفسية، فهم وإن تجاوزوا عن بعض تصرفات الصغار غير المقبولة فلأنهم يتعاملون معهم برجاحة العقول ومخزون التجارب، ليس إلَّا.
ـ والضَّب آكل ومأكول؛ فهو يتلذذ بالتهام صغار الجراد (الدَّبا) بموسم ظهورها ويتغذى بالأعشاب البرية، كما أنه يخالف نظريات تقول إنه لا يشرب الماء؛ فهو وإن كان بالصَّحاري يُوفره بتصنيعه بغُدد فمه من عنصر الأكسجين؛ إلَّا أنه حين يجده يَعِبّ منه، وهو مُعَرَّض للاصطياد من بعض الآدميين والمفترسات.
ـ وإن كان الضَّب اللطيف يتلذذ بتناول الجراد كبيره وصغيره؛ فإن أناساً ببلاد كثيرة يُجيدون صيد وطهي الجراد وشوائه كلٌ بطريقته، وإن ادعى غيرهم نفورهم منه فإنهم بالمقابل يتناولون ما هو أكثر تنفيراً من أنواع الحشرات والديدان والزواحف وغيرها.
ـ والضابط عندنا نحن المسلمين بمضمون الآية الكريمة 172 البقرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)، وكذلك التوجيه الرباني الكريم بالآية 157 سورة الأعراف، فسبحانه جَلَّ شأنه قد أعَزَّ الإنسان وأكرمه؛ ووهب لنا العقل وأمر عباده المؤمنين بتدبر آياته العظيمة للتمييز بين الخبيث والطيب.
ـ في الغرب بدأ منذ زمن الترويج لتناول البروتين الغذائي قليل التكلفة رخيص الثمن المتوفر بكثير من الحشرات والديدان ونحوها، فهم يركنون لنظرية علمية مفادها إن كثيراً من تلك الكائنات لديها عناصر غذائية كالبروتين والفيتامينات يُمكن أن تفيد الإنسان، ويرد عليهم آخرون بأن تلك العناصر إنما أوجدها الخالق سبحانه لتُغذِّي آكليها ببيئتها من غير البشر.
ـ هنا أستذكر رأي باحث سعودي مُتخصص بدرجة الدكتوراه بعلم المناعة والأمراض كان يتحدث لإحدى الصحف المحلية؛ ومفاده باختصار: (بيئتنا المَحَلّية تبدو جيدة لإنتاج الحشرات فهي لا تحتاج إلى كمية كبيرة من المياه، كما أن الحشرات تنمو جيداً بالطقس الدافئ والحار)؛ وضَرَب مثلاً بالجراد كونه بعقود مَضَت وقت الحاجة بَيْن غذاء الأجداد ومُتعارف على تناوله بثقافتهم وسلوكياتهم الغذائية آنذاك.
ـ وكان الباحث يميل برأيه إلى استحسان جعل الجراد خياراً جيداً كعنصر غذائي نظراً لمحتواه البروتيني المناسب وقِلّة تكلفته كمُنتَج مَحَلِّي، فكان يُحبّذ دراسة الفكرة بعُمق وتركيز والاستثمار به تجارياً؛ وإنشاء مزارع متخصصة لإنتاجه.
ـ وربما كان العالم السعودي يَستَحضر قول الأجداد: (إذا جاء الجَراد صُرُّوا الدواء)، أي إذا كان موسم الجراد فاحفظوا الأدوية إلى حين، ذلكم لمعرفتهم أن الجراد لا يأكل إلَّا من أطيب الأشجار والنبات، فيكون كعلاج لكثير من الأمراض، كما أن الضَّب يَفتِك بالجراد ربما لما وهبه الله من أسراره، والله سبحانه أعلم.