عبدالله إبراهيم الكعيد
حسب التقرير الذي نشره موقع العربية نت مؤخراً نقلاً عن المجلّة الشهيرة ريدرز دايجست (Reader Digest) فقد تبين للباحثين أن الكتابة والتأليف، وخاصة كتابة الشعر والقصائد والكتابة الأدبية، تؤدي إلى تقليل إنتاج هرمون مضر يُسمى الكورتيزول، وبالتالي فإن الكتابة مفيدة جداً لصحة الشخص وتؤدي إلى تحسن مزاجه العام وتوفير الراحة له (انتهى الاقتباس).
أقول بصفتي كاتبا أمضيت سنيناً طوال وأنا أخط بقلمي. أكتب وأدوّن كل ما كان يعنّ بخاطري قبل النشر فسوّدت من الصفحات ما الله بهِ عليم ثم اقتحمت عالم النشر كاتباً صحافياً ومؤلفاً للكتب لم أك أدرك حينها بأنني كنت أمارس علاجا ذاتيا، بل لم أك أعرف حينها ماذا يعني هرمون الكورتيزول الضار بنفسية الفرد أو الهرمون الآخر التستوستيرون والأدرينالين وبقية جوقة الأعدقاء من تلك الهرمونات التي تتحكم في أمزجتنا.
ينتهي تقرير مجلة ريدرز دايجست إلى التأكيد على أن الكُتّاب والمؤلفون يتمتعون بنوم أكثر هدوءاً وصحة أفضل من غيرهم وحياة أكثر راحةً. اختلف تماما مع خلاصة التقرير فلا تمتعت ككاتب بنوم هادئ ولا حياة مريحة الا حينما استشعرت قيمة ان تعيش مُطمئناً في بلاد آمنة مستقرّة رغم كل الأخطار التي تحيط بك. أن تمر أزمات منطقتنا برداً وسلاماً علينا هو الذي يجعلك تشعر براحة الحياة. حينها وحالما تمكّن ذلك الشعور بالأمان في داخلي أصبحت أخلد للنوم كأي مواطن اعتاد على نمط من العيش لا يعرفه أحد سوى من جرّبه على أرض الواقع.
سبب اختلافي مع خاتمة تقرير المجلة هو التجربة الشخصية التي يمكن تلخيصها منذ ولادة الفكرة حتى النشر والاشهار. في البدء يشعر الكاتب بقلق حيال أمر ما يُحرّض مشاعره بالتفاعل مع الحدث أيا كانت أهميته فيستجيب لذلك بتفريغ ذلك القلق على هيئة رسالة اتصالية مكتوبة.
سأضرب مثلاً للعدوان الإسرائيلي الوحشي على أهل غزّة وهو الحدث الذي تباينت فيه مواقف الكُتاب حيال من هو المسؤول عن المأساة مع أن مواقفهم المتباينة تتفق في النهاية مع مآلات ذلك الحدث الكارثي.
الكاتب عن مأساة غزة (الحالية) قد يُصنفه القارئ إما مع أو ضد وهنا تبدأ الحكاية في التشعب فلا الكاتب لديه كامل اللياقة المزاجية لاحتواء الاختلاف في وجهات النظر تجاه الأحداث ولا القارئ لديه التفهم لرؤية الكاتب الشاملة.
إن الكاتب يتفاعل مع الحدث ويكتب ما يراه يُعبّر عن رؤيته ويُعيد قراءة ما كتب عدّة مرات بعين الرقيب الداخلي الذي يمنعه من تجاوز محاذير النشر التي قد حفظها عن ظهر قلب وأودعها مخازن ذهنه الأقرب منها للاسترجاع.
أخيرا يبعث برؤيته للمطبوعة التي اعتاد النشر فيها وهو ليس على يقين تام بأن ما كتبه سينشر حتماً. فلكل مطبوعة سياستها التحريرية ولرئيس التحرير في كل حالة مختلفة رؤيته التي تزاوج ما بين معايير تلك السياسة وموقف قادة البلاد من تلك الأحداث المُستجدة. فكيف يمكن للكاتب أن يهنأ بنوم مريح وقد وضع في ذهنه موقف القرّاء مما كتب وهم العنصر الأهم في ثلاثية (الكاتب/المطبوعة/القارئ).