د. إبراهيم بن جلال فضلون
«ملايين الأرواح مهددة. عائلاتنا وتاريخنا وتقاليدنا الدينية متجذرة بعمق في القدس وإسرائيل وفلسطين. وباعتبارنا أبناء الناجين من العبودية والمحرقة والاستعمار والحرب والقمع، نشعر أننا مضطرون لرفع أصواتنا في هذه اللحظة» رسالة دوت من ألم وحُرقة الأحداث ليهود بلا رحمة من بني جنسهم، لا يفقهون إلا الدم ولونه، دون مراعاة لليهود الذين ينفقون المليارات لجذبهم للعيش في مدية الأشباح التي تحصد أرواحهم، ودون أن يعلموا أن إسرائيل تضحك عليهم، وتأتي بهم لتدوس على أرواحهم بلا مقابل، والدليل أن إسرائيل تقوم بغاراتها وضرباتها في أرض محروقة دون حساب لأسراها، ولذلك فإن ارتفاع لهجة التذمر تتصاعد في الولايات المتحدة من الدعم «اللامحدود» لإسرائيل و»إهمال الإنسانية ولاسيما الفلسطينيين والإسرائيليين»، بل إنها وصلت إلى الحكومة الأمريكية نفسها.. فاستقال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية، بسبب ما اعتبره «دعما أعمى من جانب واحد»، لتتضح ملامح الغضب والحُنق بل والكراهية في الأرض التي لا تزرعُ إلا شيطاناً أكبر (ماسونية الغرب)، وليمتد الأمر في أروقة الحكومة بسبب الدعم غير المسبوق لإسرائيل على حساب الأبرياء.
ما إن شنت إسرائيل العمليات العسكرية حتى وجد الملايين أنفسهم غارقين بمسميات مسيسة ومواقف مسبقة ليست بالضرورة معلنة، ليزيدها غضباً نهج العجزة وإدارة الرئيس الأمريكي بايدن، ليقف مبنى الكابيتول، ومسؤولو وزارة الخارجية ومن قبلهم الإنسان الأمريكي الحُر الذي يرى الهاوية لبلدانهم، فقد شعروا أن عدوانية الإدارة ستؤدي إلى نتائج سياسية فظيعة، ومزيد من العنف طويل الأمد في الشرق الأوسط، ولهم الحق لأن رأس الأفعى قالها (بايدن) عام 1986: «لو لم تكن هناك إسرائيل لكان على أمريكا خلق إسرائيل لحماية مصالحها»، وبالطبع لا يمكن لأي إنسان أن يتسامح مع ممارسات إسرائيل وسلوكها القمعي.. بعدما صار كل شيء مُباحًا لهم في فلسطين على أيدي هؤلاء القتلة..
لقد نضح الكيل وطفح حتى من داخلهم، وانظروا الرسالة: «كمسلمين ويهود، سئمنا إحياء خوف الأجيال من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. سئمنا القادة الذين يدفعوننا إلى إلقاء اللوم على بعضنا بعضا، واستغلال آلامنا وتاريخنا لوضع أجندات سياسية وتبرير العنف، فإذا كان هناك نزيف، هل يمكننا توجيه جهودنا لوضع حد للوضع الراهن للاحتلال والعنف، وإيجاد سبل لتحقيق سلام مستدام لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين؟»
الأعجب أن من وقع الرسالة مسؤولون وأعضاء من مجلس الشيوخ، إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن الفرح بكونه يهوديا وقلبهُ ارتجف رُعباً عندما هرول خوفاً من قذيفة، لـ»حثه على العمل من أجل وقف إطلاق النار لأن الحل لن يتحقق بالوسائل العسكرية»، وردا على رسالة بلينكن لموظفيه، يصر فيها على أن نهج الإدارة تجاه الأزمة «متوازن»، قائلين أن «الحفاظ على أمن إسرائيل لا يتعارض مع المساعدات الإنسانية الأساسية لسكان غزة»، ولم يكشف المعارضون عن هويتهم حرصا على سلامتهم الشخصية، وخوفاً من خطر العنف والتأثير على مصداقيتهم المهنية داخل البيت الأمريكي، وهو ما ينُم على الضعف والوهن، وكأنه بيت العنكبوت، وهنا أقف لحظة وأسأل: كيف لأمثال هؤلاء أن يُحاربوا أو أن ينتصروا علينا بإيمان المؤمن المُسلم؟!!.
تتوسع رقعة الغضب الإنساني ضد الدعم الغربي الأمريكي والأوروبي لكيان الاحتلال الصهيوني بشكل لا محدود، فخرجت المظاهرات العارمة في دول كثيرة، حتى داخل واشنطن ونيويورك بل ومظاهرات يهودية رفضت ما تقوم به إدارة بايدن من دعم مريع للاحتلال، لتعم دولاً عربية وعالمية، فكلّ ما يجري في غزة يجب أن يكون خطًا أحمر وليس التهجير فقط، لأن إسرائيل تستهدف المدنيين ضمن سياسة لها أهداف، على حساب أسراها في غزة، بل أجزم أن مشوار القاتل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو قد مات سياسيًا.
إن السبب الجذري للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، هو احتلال إسرائيل للمناطق الفلسطينية، ومن الضروري حلها وفقًا للمعايير الإنسانية أولاً وبنود وقوانين الأمم المتحدة التي ضاعت هيبتها وتم الكشف عن وجهها الزائف بدعم اليهود، الذين يعيشون حالة من الحيرة والارتباك بعد الإذلال الذي حدث في 7 أكتوبر الجاري بعملية «طوفان الأقصى» رغم محاولة تشكّل «إجماع إسرائيلي» منذ ما قبل حرب 1967، بأنّ الساسة الإسرائيليين يستخدمون لغة تعبوية لاستعادة المعنويات، لأن الصدمة أحدثت حالة من فقدان التوازن إلى حدّ بعيد، فتاريخ إسرائيل قائم على قطع رؤوس واغتصاب.. يزينها أكاذيب ويروّجها إعلام غربي منذ أن أرق طوفان الأقصى مضاجعهم، مستمتعين بـ «إرهاب فكري» يُمارَس غربيًا ضد كل من يجرؤ على التضامن مع الفلسطينيين في قطاع غزة، وبالتالي لجأوا للقوة كالثور الهائج في استهداف المدنيين ومعاقبتهم وتخويفهم وصولاً لتشريدهم وتهجيرهم، بعقدة نقص والشعور بالدونية Inferiority Complex، ليكون التدني مزمنًا لتقدير الذات والشعور بعدم الكفاءة، هكذا يشعر القادة والماسونيون من اليهود وساسة الغرب بل وأصغرهم.