سهوب بغدادي
فيما يواجه العالم انقسامًا بائنًا في وجهات الرأي والمواقف وتدني مستوى الأمن والإحساس بالأمان في عدد من الدول الغربية في خضم النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، برزت ظاهرة غريبة في تكوينها في العالم الافتراضي من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وتتمثَّل في «الاستقعاد»؛ بمعنى إنشاء قائمة بالأشخاص الذين لم يظهروا دعمهم لطرف من أطراف النزاع، ورأينا ذلك في الغرب، فمن دعم إسرائيل نال رضا فئة معينة وغالبًا في نطاق المال والأعمال والإعلام، أما الداعمون لإخواننا في فلسطين -من الغربيين- فقد خسروا شرائح من داعميهم سواء في مجال التجارة أم المجال الفني وما شابه، كان الناشطون في العالم الافتراضي منشغلين بفلان وعلان، وتم استهداف أسماء كبيرة من المشاهير في شتى المجالات كالفن والتمثيل والموضة والرياضة والمؤثّرين على مواقع التواصل الاجتماعي، ومحاولة حثهم مرارًا على اتخاذ موقف، وفي حال اتخذ المشهور موقفًا يتم التصيد له في كل كلمة، ولسان حالهم «كان يجب أن يقول كذا عوضًا عن كذا» أو «لم يكن تصريحًا كافيًا» أو «لم يتضمن لهجة عصبية وحازمة وقليل من الشتم الذي لا يضر» في نهاية المطاف، هم مشاهير لسبب معين! السبب هو الاحتراف في مجال ما، فإن السعي وبذل كل شيء خلف تصريحات المشاهير كما تبيّن لنا خلال الفترة القريبة الماضية، ليس بحل جذري أو فرعي بتاتًا، كما أن ظاهرة إلقاء اللوم على الغير ليست حلًا أيضًا، ولن تساهم سوى في بث روح الفرقة والضغينة، من ناحية متصلة، عمد «الجيمرز» في ألعاب إلكترونية إلى تشكيل مظاهرة افتراضية على سبيل المثال في لعبتي «روبلوكس» و«ماين كرافت»، وقاموا بحمل العلم الفلسطيني والهتاف من خلال اللعبة، والتنديد بعبارات وكتابتها بشكل متكرر، وبعدها انهالت التعليقات المحفزة لمن شارك في المظاهرة الافتراضية وتركيب الأهازيج على شخصيات إلكرتونية «بكسيلز» وحث الآخرين للسير على ذات النهج، فأي دعم هذا؟ في ذات التوقيت، رأينا حملات ضارية على دولتنا من خلال الوسوم المنتشرة على المنصات المختلفة وبطرق وأوجه عديدة، فهنا صور مفبركة، وهناك مقاطع مزيفة، وتصريحات ملفقة! فهل يظن الفاعل أنه من خلال استخدام وتوظيف السيكولوجية العكسية (Reverse psychology) أو ما يُعرف بعلم النفس العكسي سيجد الدعم المأمول من الطرف الآخر؟ خاصةً عندما يكون الطرف الآخر ليس بطفل أو شخص، بل مؤسسات وسياسات دول! فما المطلوب؟
إن موقف المملكة العربية السعودية واضح وجلي منذ الأزل فيما يخص الأزمة الفلسطينية ولها وقفات ومواقف تاريخية، وأيادٍ بيضاء في أكثر من موطن، ولنا على السبيل المثال لا الحصر ما حصل خلال الأزمة الصحية العالمية المتمثلة بتفشي فيروس كورونا، فلقد أمدت المملكة دولًا بالمستلزمات الوقائية الصحية، والأكسجين الطبي، بل زوّدت الدول بفرق وكوادر طبية، وكانت ولا تزال تمد القريب والبعيد بما يساعد على الإعمار والتطوير والازدهار، فما خطب المغرضين والمضللين الآن؟ وهل يمحي الزمان ما كان؟ إن الدعم والتأييد لا يترادف مع إثارة الفوضى أو الجلبة فأهم القرارات والمواقف تتسم بالثبات على المبادئ ومد يد العون بلا انقطاع، وليس بمجرد تسجيل موقف افتراضي يمحوه الزمان، ومن هذا النسق، ندعو الله الحفيظ لإخواننا في فلسطين أن يحميهم من كل مكروه وسوء.