خالد بن حمد المالك
الفصل العنصري في إسرائيل ثقافة أمريكية، تعلمتها وحاكتها وطبقتها إسرائيل على الشعب الفلسطيني، فقد قامت أمريكا بالتعامل مع السود على أنهم لا يستحقون الحياة، ولا يليق بذوي البشرة البيضاء أن يختلطوا بهم في المدارس وحافلات النقل العام وفي مختلف أوجه الحياة، وحرموهم من كل حقوقهم المدنية، وهو ما تفعله إسرائيل مع المواطنين الفلسطينيين.
* *
في شأن طرد أهل الأرض في فلسطين، وهم الشعب الفلسطيني، أيضاً هذه ثقافة أمريكية، فأمريكا قضت على أصحاب الأرض الأصليين، وأقامت ما يسمى بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما تقوم إسرائيل بتطبيقه على أرض فلسطين، حيث الاحتلال الغاشم، وهو عمل مستوحى من الثقافة الأمريكية.
* *
وأمريكا لا تكتفي بتسويق ثقافتها العدوانية، وإنما تدعمها وتعاضدها وتساندها بالمال والسلاح، واستخدام نفوذها السياسي، ومنع أي مساس بمواقفها يعطي للفلسطينيين حقهم في تقرير المصير، وإقامة دولتهم، ولو على جزء من أراضيهم المحتلة منذ عام 1948م بمؤامرة دولية قادتها بريطانيا، قبل أن تتلقف الولايات المتحدة المسؤولية في حماية هذا الكيان الإسرائيلي البغيض.
* *
دول أوروبا التي استعمرت كثيراً من دول العالم، وأكلت خيراتها، ونكلت بالأحرار ممن دافعوا وقاوموا المحتلين، حتى تم إجبارهم على الرحيل، ما زالت تتآمر على هذه الدول، وتعمل مع بعضها تحالفات لتقوية مواقفها أمام هذا المد التحرري لهذه الدول ضد الاستعمار، حتى وإن كانت أقدامهم قد أصبحت خارج هذه الأوطان، وهذه ثقافة لا تبتعد كثيراً عمّا تطبقه إسرائيل مع الشعب الفلسطيني، وفي أراضيه.
* *
وما يجري في غزة هو عنوان كبير على أن إسرائيل ليست وحدها من يقاتل المنظمات الفلسطينية، وإنما يقف معها وإلى جانبها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا وكندا وفرنسا وغيرها ممن لا يجرؤون حتى على نقد هذه الممارسات ولو بالكلام المباح، والرأي الموضوعي المتحفظ.
* *
شاء من شاء وأبى من أبى، لا خيار أمام الفلسطينيين بعد 75 عاماً من الاحتلال، ومن تحويل غزة إلى سجن كبير يمنع عنها الماء والكهرباء والغذاء والدواء، إلا أن تقوم بمثل ما تقوم به الآن، رغم جسامة الخسائر، وعدم إنسانية المعتدي، وحماية المجتمع الدولي لعدواته التي لا سابق لها، ولا مبرر له لأن يكون بهذه القسوة وبهذا العنف.
* *
يتحدث العالم عن الأسرى لدى حركة حماس، لكنهم يتجاهلون أن هناك في سجون إسرائيل أكثر من خمسة آلاف سجين، يعانون من سوء المعاملة، وقسوة التعامل معهم بما يشيب له الشعر، حيث يمنع عنهم العلاج والدواء، والغذاء الصحي، ويقبعون بالسجون مدى الحياة وحتى الموت، ولا أحد يتحدث عن هؤلاء، فيما الأصوات تتعالى لإنقاذ 220 أسيراً لدى حماس.
* *
وللتذكير فإن الرياض تقود مبادرات لإنهاء هذا القتال، لحماية المدنيين الأبرياء من هذه الضربات القاتلة التي تقصف بها الطائرات الإسرائيلية -دون رحمة- مواطني غزة، وهذه المبادرات تشمل إيقاف عدوان إسرائيل فوراً، والسماح بفتح ممرات آمنة لإيصال المساعدات للمواطنين في غزة، ومنع التصعيد لعدم توسيع رقعة الحرب، والتوجه نحو إحياء عملية السلام بإقامة دولة فلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس.
* *
ويفترض بأمريكا التي تدَّعي أنها ترعى حقوق الإنسان، وأنها مع حرية التعبير، وداعمة للديمقراطية في العالم، أن تشجع توجّه المملكة لحل هذا النزاع الذي طال أمده، خاصة أن واشنطن استأثرت لنفسها بإيجاد حل دائم يقوم على خيار الدولتين، وفقاً للقرارات الأممية، غير أن ما تظهره أمريكا شيء وما تخفيه شيء آخر، فهي أبعد ما تكون حرصاً على تطبيق القرارات 242 و388، وقرارات أوسلو، والمبادرة العربية وغيرها، ما جعل الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين يتواصل، وهو ما يعني أنه لن يتوقف ما لم يكن هناك دولة فلسطينية قابلة للحياة وعاصمتها القدس.