د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
لم تتوقف السعودية عند تهدئة المخاطر الجيوسياسية التي تضرب منطقة الشرق الأوسط والتي لا تضغط فقط على النمو الاقتصادي في المنطقة، بل تضغط أيضاً على النمو العالمي، كما أن الواقع الجديد يعني بقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول، باعتبار أن العوامل الجيوسياسية تمثّل أكبر خطر على الاقتصاد العالمي في الوقت الحالي التي تميل للتحرك بسرعة، كما لا ينبغي تجاهل مثيلاتها الأخرى، لأن السعودية تؤمن أن الاقتصاد العالمي سيصبح في وضع جيد ومطمئن إذا تكاتفت الجهود من خلال تحمل المسؤولية لمواجهة التحديات.
جعلت السعودية منتدى مستقبل الاستثمار منصة تجمع كبريات الشركات، وفي نسخة هذا العام 2023 حضر المنتدى الرئيس الكوبي الجنوبي يون سوك يول الذي أكد أن السعودية استطاعت تحول نفسها لا لتكون فقط مركزاً للصناعات المتقدمة وإنما رؤية تحول وطني.
تركز السعودية في تحويل تلك التحديات بالتركيز على أهم القوى التي تساهم في تحقيق تطورات هائلة، وهو التركيز على التقنية، وبشكل خاص على الذكاء الاصطناعي الذي له قدرة على إيجاد مجتمعات أكثر شمولية ونموذج مستدام للتنمية، خصوصاً في تطوير الصناعات الحيوية مثل الصحة والسياحة والتصنيع والطاقة المتجددة والأمن، وخصوصاً أن الذكاء الاصطناعي سيؤثّر على التجارة العالمية وسيكون هناك نحو 70 في المائة من الشركات تتعامل على الأقل مع نوع واحد من هذه التقنية بحلول عام 2030 .
استخدام الذكاء الاصطناعي ودوره في تمكين التحول في الطاقة الذي يطمح إليه العالم، والسعودية تقود حراكاً عالمياً عبر أرامكو لدعم التحول في الطاقة مثل تطوير أنواع جديدة من الوقود الذي تسهم في تقليل الانبعاثات في المحركات بأكثر من 70 في المائة مقارنة بالوقود التقليدي.
كما تشارك السعودية العالم للإسهام في مجتمعات تحتضن التنوع بجميع أشكاله، مع العمل على الإمكانات الكاملة للإبداع والابتكار البشري نحو الوصول إلى الشمولية، ما يستدعي السعي نحو المعرفة والتعليم في عصر التقدم التكنولوجي السريع، ولا سيما ما يتعلق بالتكنولوجيات الناشئة، وتسخير هذه التكنولوجيا لصالح الجميع باعتبارها البوصلة التي توجه نحو مستقبل أكثر إشراقاً وإنصافاً واستدامة للجميع للتأثير على البشرية، وهذا ما تسعى إلى تحقيقه مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار.
استطاعت السعودية تحويل الأزمات الاقتصادية العالمية إلى نقاط قوة رغم تأثير معدلات الفوائد المرتفعة، لكن بسبب أن لدى السعودية بنية تحتية تمويلية جيدة مقارنة بالدول الأخرى، خصوصاً بوجود مؤسسات مالية يمكنها تقديم القروض بفائدة منخفضة من أجل تحقيق الرفاهية للمجتمع ورفع مستوى جودة الحياة رغم الأزمات التي تعيشها المنطقة التي استطاعت تخطى الأزمات العالمية نظرا لوجود الحكمة الكافية من القيادة للصمود أمنيا واقتصاديا وماليا خصوصا وأن منتدى مستقبل الاستثمار يعقد والحرب على غزة متواصلة، مع ذلك حققت الدولة استقراراً سياسياً واقصتادياً مع نظرة استثمارية بعيدة المدى.
كان ركيزة تحويل التحولات إلى فرص من خلال الاستثمار في الشباب وريادة الأعمال والابتكار والتقنيات الحديثة بالشراكة مع الدول الصديقة والشركات الأجنبية مع وجود بيئة استثمارية جاذبة، بالتعاون مع جهود صندوق الاستثمارات العامة الذي يطمح لجعل الاقتصاد السعودي ضمن أكبر 10 اقتصادات في العالم، وخصوصاً أن الاقتصاد السعودي بلغ مرحلة إنعاش القطاعات التي ساهمت وساندت النمو وواصلت التوسع لـ6 أرباع متواصلة بفضل رؤية السعودية طويلة المدى، وتحقيق التعددية الاقتصادية لتمكين الشباب الذين يمثّلون أكثر من 63 في المائة.
تركز السعودية على مشاريع عملاقة في قطاعات مثل خدمات التصدير وخدمات السياحة والتشييد والإعمار، وتنفيذ الخطط بوتيرة متسارعة، ولديها خطط لإيجاد مصانع سيارات بما تمتلكه من مناطق لوجستية واقتصادية تتسم بالتعددية وبالعنصر البشري من الشباب الذين يستحقون مزيد من الفرص الاستثمارية.
نمت السياحة في الربع الثاني من 2023 بنحو 135 في المائة بسبب هناك مساحة من التعاون بين مختلف دول العالم والسعودية، ليس على مستوى السلع والخدمات فحسب، بل من ناحية تبادل الأفكار والابتكار والثقافة، وفق رؤية المملكة 2030 أن تكون مركزاً عالمياً ومنصة اقتصادية شاملة تعمل على استقطاب رؤوس الأموال النقدية والبشرية واستخدام هذه المنصة للوصول إلى مصادر الطاقة من الهيدروجين النظيف، وقد تسجل السعودية هذا العام 100 مليون سائح وفق وزير السياحة السعودي أحمد الخطيب بما يصل مساهمة 6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وتستهدف الدولة زيادة مساهمة القطاع السياحي من 3 في المائة إلى 10 في المائة بحلول 2030 وخصوصاً أن السعودية تستثمر 800 مليار دولار في بناء الجزء المتعلق بالسياحة من المشاريع العملاقة مثل نيوم وتروجينا والبحر الأحمر والقدية ومشاريع القطاع الخاص.