حسن اليمني
لا يستغرب غفلة الإعلام العربي عن كثير من الزوايا المهمة في راهن الحدث المتمثل في الحرب بين المقاومة وجيش العصابات الصهيونية في فلسطين، وإلا فإن معادلة تسعة في تسعة التي حدثت قبل أيام علامة فارقة كبيرة ومهمة.
عن طريق الخطأ وهو الاحتمال الأرجح تعرض تسعة من جند مصر العربية على الحدود مع غزة إلى ضربة أدت إلى إصابتهم إصابات مختلفة، وما هو إلا وقت يسير بذات النهار حتى تعرضت ست قواعد أمريكية شمال العراق وسوريا وثلاث قواعد عسكرية لجيش العدو داخل فلسطين بما مجموعه تسعة أو تسع قواعد مقابل تسعة جنود، وبالتأكيد لم يكن ذلك صدفة تسع ضربات لهذه القواعد مقابل تسع إصابات في الحدود المصرية، وحتى نستبعد فرضية الصدفة فإن تشويشاً إليكترونياً شديداً أعمى القواعد العسكرية الأمريكية في قاعدتين باليونان في ذات الوقت لتكون الرسالة واضحة نقية لا يلوثها التباس، كان الرئيس الأمريكي أمام المايك والكاميرا يخاطب مجموعة من الصحفيين حين اعتذر فجأة عن إكمال المؤتمر والخروج على عجل لغرفة العمليات.
إن أهمية ما حدث في معادلة تسعة مقابل تسعة يكشف أن المعنيين الأساسيين في بؤرة الصراع في المنطقة على دراية وعلم بتغير قواعد اللعبة هذه المرة في المواجهة الراهنة بين المقاومة الفلسطينية والكيان الصهيوني، لقد وضعت أمريكا يدها على مفاعل ديمونة ثم استلمت قيادة غرفة العمليات العسكرية في المواجهة بما يفسر كثرة التأجيل المزعوم للحرب البرية لأن القرار ليس بيد الكيان الذي أظهر عجزه عن عملية كهذه أولنقل استشعر مدى خطورتها بعد أن هزمت المقاومة نتن ياهو وأسقطته فصارت الخشية من إسقاط نخبة الجيش الصهيوني أيضا الذي ليس بعده إلا انهيار الكيان وزواله، نعم حشد الكيان ثلاثمائة وستين ألفا من الاحتياط لكنه يبقى عددا رقميا دون جدوى حقيقية في المواجهة والذي تعتمد فيه قوة العدو على جيش النخبة المرشح لمواجهة قوات حماس خلف غطاء جند الاحتياط ليتم التضحية بهم لحماية النخبة لكن احتمال تعرض هذه النخبة لخسائر أمرخطر وخط أحمر لدى الكيان لأنه يعني إسقاط قوة الجيش الصهيوني بعد إسقاط رئيس حكومته الذي تم وأصبح في حكم المنتهي.
تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بألفين من فرقة «الدلتا» على الأرض وألفين من قوات المارينز في قاعدتين عسكريتين في جزر اليونان وأكثر من ألفين من قوات البحرية على الأسطولين الأمريكيين في المتوسط اللتان ابتعدتا قليلا باتجاه القواعد العسكرية في اليونان والتي منها تنطلق الطائرات لدك غزة، والتجهيز المتكامل لهذه الحشود إن أضفنا قوات من بريطانيا وفرنسا وهولندا يعمل على تحقيق هدف يسعى لسحق المقاومة في غزة بشكل نهائي مع ردع أي قوة إقليمية قد تنزلق في الصراع، وبمعنى أكثر وضوحاً فإن أمريكا تنوب اليوم عما يسمى إسرائيل في مواجهة قوى المقاومة الفلسطينية رغبة في إنهائها تماماً وتنظيف المنطقة من كل ما يعكر ربط الكيان بدول المنطقة العربية لصناعة الشرق الأوسط الجديد، والصورة الأولية أوالسطحية للأحداث تعتقد باحتمال تدخل إيران نصرة لميليشياتها، لكن الحقيقة أن هناك دولة إقليمية أخرى هي المعنية بالأمر، تلك التي أعمت عيون القواعد العسكرية الأمريكية في اليونان بشكل أدى لإلغاء العمليات النهارية بما يفسر تخصص القصف على غزة ليلاً وهذا يعود لمعطيات تقنية في الاتصال والرؤية الإليكترونية.
تتحد تركيا وروسيا في مواجهة الأساطيل الأمريكية وقواعدها العسكرية سواء في شمال العراق وسوريا أو تلك التي في اليونان والمتوسط، اتحادا لا يعني تضامناً وتعاوناً فيما بينهما وإنما اتحادا في المقاصد، فتركيا تحمي نفسها في بحر إيجه وشرق المتوسط وكذلك روسيا تحمي نفسها وقواعدها في سوريا، هذا يعرقل الخطط الأمريكية ويبطئ اندفاعها نحو تدمير حماس أوبمعنى آخر يبطئ الحرب البرية ويكرر تأجيلها مرة بعد أخرى لإعادة الترتيب بناء على المستجدات المتلاحقة، تركيا معنية بالقدس وروسيا والصين معنيتان بهزيمة أمريكا في المنطقة وإيران أداة يمكن استخدامها غطاء لروسيا والصين في المواجهة وبمعنى أن تركيا وإيران قد يصبحان في مواجهة أمريكا والكيان الصهيوني في اللحظة الحاسمة.
لا تتوقف العراقيل عند هذا بل وتتجاوزها إلى الداخل الصهيوني فقد تم الإذن للواط والشذوذ في جيش الكيان الصهيوني بما يخالف التعاليم الدينية اليهودية مما أدى إلى انقسام بين العلمانية والدينية أو اليمين واليسار في الكيان خرج على أثره وزير المالية المحسوب على الجناح الديني من غرفة العمليات التي أصبحت برئاسة بايدن نفسه، وصارت الحرب بشكل واضح بين أمريكا والمقاومة في المنطقة وعاد الكيان الصهيوني للخلف في المواجهة، ويقول الرئيس بايدن إن النظام العالمي أصبح في حاجة للتغيير وأن أمريكا هي التي ستصنع نظاماً عالمياً جديداً، وهو قول عنوانه صحيح لكن النظام العالمي الجديد لن يكون أمريكيا كالسابق ولن تسمح روسيا والصين بذلك، وهنا نفهم أن عمق الصراع الحالي في المنطقة أبعد بكثير عن انتقام لما حدث في السابع من أكتوبر أو تكرار صراع مستمر منذ أكثر من سبعين عاماً بين احتلال ومقاومة.
لنعد إلى معادلة تسعة مقابل تسعة لنفهم الرسالة من ورائها، أنها رسالة تقول إننا مستعدون للمواجهة بحشد عسكري متحد في الموقف وإن اختلف في الغايات والأهداف لكنه اختلاف يمكن تجاوزه في الاتحاد ضد الجهة المقابلة، ونفهم أيضا حشد بريطانيا وفرنسا وهولندا وإيطاليا خلف أمريكا بحجة الدفاع عن الكيان في مواجهة المقاومة الفلسطينية والتي لا يصدق عاقل أنها في حاجة لكل هذا الحشد، ولم يكن الانتقال من أوكرانيا إلى فلسطين إلا أمنية أو أمل من قبل روسيا منحته لها المقاومة الفلسطينية لتعطي روسيا مساحة مرونة أكبر في مواجهة الغرب بعيداً عن أراضيها وهي أيضاً فرصة للصين لرمي تايوان خلف ظهر الأحداث، وفي التقاء هذه الرغبات تواجه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ظهور النظام العالمي الجديد متعدد الأقطاب الساعي لإسقاط نظام الغرب، هذا مضمون الرسالة تسعة في تسعة.