م. بدر بن ناصر الحمدان
بالنسبة لي وأبناء جيلي لم تكن سلسلة مغامرات الفضاء أو المانغا اليابانية (يوفو - غرندايزر) مجرد برنامج تلفزيوني، بل حدثاً استثنائيًا شكّل الجزء الأكبر من ذاكرتنا كيافعين آنذاك، لا سيما في تلك الحقبة الرمادية البائسة والتي تزامنت مع بداية عهدنا بالحياة، فالمسلسل القائمة على الصراع بين الخير الذي كان يمثله كوكب «فليد» المسالم، والشر الذي يقوده «فيغا الكبير»، كان بطلنا الأسطوري الذي عاش معنا في كل تفاصيل حياتنا وفي المدرسة والشارع هو «دوكفليد» أو ما كان يعرف على الكوكب باسم «دايسكي»، وأصدقائه «كوجي» و»هيكارو» والعجوز «دانبي» وابنه « قورو»، بالإضافة إلى الدكتور «آمون» المشرف على القبة الفلكية، وأعدائهم «قندال» و»بلاكي» نحن نحفظ أسماء وشخصيات هذا العمل عن ظهر قلب منذ حقبة الثمانيات وحتى اليوم.
أنا وأبناء جيلي اقتنينا كل روايات «أجاثا كريستي» المترجمة كونها المنشور ذي النسخة الشعبية الرخيصة التي تتواجد في بقالات محطات الوقود على الرّف نفسه الذي تتواجد فيه مجلة «اليمامة» وجريدة «المسلمون»، ويعلوها رف أشرطة غنائية مسجلة لبشير شنان وعيسى الإحسائي وفهد بن سعيد، نهاية بالرف الأخير والذي كان مخصصاً للأشرطة الإسلامية التي تتصدرها سلسلة «نداء وحداء»، كانت سلة التسوق التي نغادر بها من تلك البقالة تحمل «خليطاً ثقافياً» من العدد الأخير لمجلة اليقظة التي تتصدر غلافها الفنانة «صابرين» وشريط لسعد جمعة، وآخر إسلامي «من أين أبداء يا عيون الشعر» لمحمد المساعد، وفي الجيب منشور لحصن المسلم الذي كان يوزع مجاناً، ثم نغادر إلى محاضرات المركز الصيفي والذي كان مناخاً دينياً خالصاً، وفي المساء ننضم إلى فرق السامري وجلسات العود، وينتهي بنا الليل على حافة رصيف لنتجاذب أطراف الحديث عن قصص حب «افتراضية» لم ولن تحدث، لقد كنا نعيش حالة متأخرة جداً من التناقض وضياع الهوية واللاأيديولوجيا، نحن حالة استثنائية «غير مُعرّفة» حتى الآن، ولا أدري كيف تخطينا كل ذلك التَيْه.
نحن الجيل البائس الذي لم يتسنَ له مشاهدة الشوط الثاني كاملاً لمباريات الهلال طوال خمسة عشر عاماً بعد نقل البث من القناة الأولى، وآخر من شاهد الظهور الأخير لـ»روبرتو ريفيلينو» على الطبيعة في استاد الملز، ومن كان «ستيف اوستن» وراء بناء شخصيتهم المغامرة، نعم نحن من أسّس ثقافة شاطئ «الهاف مون»، وكرّس كل جهوده لإثبات أن صالح النعيمة أفضل من ماجد عبدالله، لقد حالفنا الحظ أن تمكنّا أن نكون جزءاً من حقبة «هايدي» و»الليث الأبيض»، و»دييجو مارادونا» و»ريبيرتو باجيو»، ولابد أن نعترف أننا من كان يضع خطاً أسود على رقبة الديك الذي كان شعاراً لزي المنتخب الفرنسي الأكثر مبيعاً في محلات الرياضة، وذاته الجيل الذي أحرق كل ذاكرته المصوّرة، وعاش ردحاً من الزمن مُقيّد اجتماعيًا وثقافياً نزولاً عند قوانين وأعراف تم التخلي عنها مؤخراً من قبل الذين كانوا أنفسهم يمارسون بها وصايتهم على جيل بأكمله، جيل مُرهق، يقف الآن حائراً على الجانب الآخر من النهر، غير مصدق أنه نَجا ووصل إليه.
لقد كان جيل «أَغْبَر» بكل ما تحمله هذا الكلمة من معنى!