د. محمد عبدالله الخازم
يشكِّل الابتعاث أحد مكونات رؤية تطوير القدرات البشرية ولنا فيه تاريخ يمتد على مدى تسعة عقود من الزمن. نقدِّر الجهود في موضوع الابتعاث وزيادة تنظيماته التي تسير عكساً مع أرقامه، ونواصل كتابة بعض الأفكار امتداداً لما نشر هنا بتاريخ 21 أغسطس 2023م.
أولاً: المبادئ. هناك قاعدتان مهمتان تحكم برنامج الابتعاث؛ عدالة تكافؤ الفرص للجميع، واعتبار الابتعاث منحة حكومية نادرة يحصل عليها الأفضل وفق منهجية علمية موضوعية. يوجد خلل بهذه القواعد؛ مثال، شرط القبول المباشر دون دراسة اللغة يعني تمييز وابتعاث فئة مجتمعية توفرت لهم ظروف دراسة اللغة بشكل جيد، كخريجي المدارس العالمية أو من درسوا في الخارج. اللغة ليست مقياساً علمياً دقيقاً، وخريج الثانوية المتميز ليس بالضرورة بارع في اللغة، مما يعني خللاً بعدالة تكافؤ الفرص، وبالمثل إتاحة دراسة اللغة للبعض (حسب اللغة) يعتبر تمييزاً غير مبرر.
مثال ثان، قياس التميز بناءً على القبول في جامعات محددة غير موضوعي ويناقض فكرة الابتعاث للأفضل والأكفأ. الجامعات العالمية لا تفاضل بين الطلاب السعوديين وإن قبلت الجيدين. لذلك أطالب بابتعاث أفضل خريجي الثانوية، لتُقاس الأفضلية والكفاءة وفق معيار موضوعي وعلمي، كما تفعل الجامعات المحلية في اختيار طلابها. نريد التنافس وفق الأفضلية العلمية وليس اللغة، القدرة على السفر أو وجود معارف في الخارج يساعدون في الحصول على قبول ...
ثانياً: التنظيم. توجد رغبة واضحة في ربط البعثة بالوظيفة. كانت تجربة برنامج «وظيفتك بعثتك» وتم إيقافه بعد فشلة وما زالت الفكرة تتكرر بأشكال ومسميات جديدة. دور وزارة التعليم هو إدارة البعثات وليس تقديم إضافة فنية، سواء أكاديمية أو كموارد بشرية، وبالتالي فإن توليها الوسيط بين جهة الابتعاث والمبتعث مجرد عقبة بيروقراطية. الأصل هو تولى الجهة الموظفة ابتعاث موظفيها، وعليه فالأمر ببساطة؛ إما أن نبتعث موظفاً عن طريقة جهة عمله أو نبتعث طالباً بناءً على تميزه دون وعود (لا أحد يضمنها) بالوظيفة.
ثالثاً: الفلسفة. نحتاج إلى تطوير فلسفة الابتعاث التي بنيت قبل 90 عاماً، بمواكبة العالم وبما يتوافق مع تطورنا العلمي والاقتصادي والتنموي. أحد الأفكار التي شرحتها في مقال سابق هو التحول نحو مفهوم التبادل الطلابي. لتكون مهمة وزارة/ صندوق التعليم (سبق اقتراحه) أو صندوق الموارد البشرية، تمويل برامج التبادل الطلابي بين الجامعات السعودية والعالمية. مهم جداً إكساب أكبر عدد من طلابنا خبرات دولية، ودفع الجامعات السعودية للمنافسة الدولية في هذا الشأن. بالنسبة لبعثات الدراسات العليا، يفترض أن تكون عن طريق جهات التوظيف. كما يمكن دعمها عبر قروض ابتعاث ميسرة للراغبين فيها سواء محلياً أو خارجياً، باعتباره أمراً غير منطقي ابتعاث عاطل عن العمل رغم تأهيله الجامعي..
رابعاً: نقطة النهاية. مع الشكر والتقدير، حان الأوان لوضع نقطة نهاية لبرنامج الابتعاث عن طريق وزارة التعليم بطريقته الراهنة. أو الاكتفاء ببرنامج سهل واضح في ابتعاث أفضل طلاب الثانوية، تديره إحدى الجامعات أو الشركات. المسارات القائمة حالياً تبدو تشكيلات تجميلية، ربما يأتي الحفاظ عليها من مبدأ خلق الوظائف والميزانية. نكرر، رغبتنا في استمرار الابتعاث، لكن عبر إعادة الأمور إلى أصولها، كل جهة أعرف باحتياجاتها وفق التعليمات المنظمة لذلك. ونضيف أن اللجوء إلى حملة ترويجية لبرنامج يفترض أن يكون منتجاً منافساً يعد مؤشراً إلى تناقص شعبيته، إما بسبب محدودية المقاعد أو عدم وضوح وتعقيد إجراءاته.