د. خالد عبدالله الخميس
الفكرة العامة لكتاب (معالم في الطريق) الذي كتبه سيد قطب، تدور حول أربع مرتكزات: إن العالم يحكمه طغاة، وأن مجتمعات العالم تتخبط في جاهلية ظلماء وأن منقذهم الوحيد هو الإسلام، وأن العالم يترقب بفارغ الصبر لجماعة مخلصة.
ويكرر سيد قطب هذه الفكرة في كتابه عشرات المرات بأساليب إنشائية متعددة مطعمة بمفردات أدبية وآيات قرآنية.
ولقد استخدم لبيان فكرته العامة أربع مصطلحات مسيسة؛ الحاكمية، والطواغيت، والجاهلية والعزلة الشعورية، وتلك المصطلحات لها تعريفات محددة بحسب هواه، فمثلاً يقصد بالجاهلية هي جميع أنظمة الدولة، كما يقصد بالطواغيت هم كل الحكام ورجال الدولة.
والكتاب معروض بشكل مخادع، إذ يعتمد في منهجيته على سياسة «وضع الاعتقاد ثم الاستدلال»، فيضع معتقداً لفكرة معينة، ثم يقحم الفكرة بالنصوص المؤيدة بأسلوب حماسي ثوري مخادع تؤثر على فئة الفتيان الحماسي.
وفي هذا يقول أخوه محمد قطب، «كان سيد قطب يكتب مقالات حادة وساخنة ضد الملكية، وكان في كل مرة يكتب فيها مقالاته يتم استدعاؤه من النيابة، ومع الوقت تكونت في شخصيته مهارة الكتابة بأسلوب الذي يتحاشى فيه الألفاظ التي تمثل ممسكاً قانونيًا يحاسب عليه، فأصبح يتفنن في قول ما يريده قوله دون أن يُمسك عليه إجراء قانوني». وهذا معناه أن مقالاته وكتبه تشجع الفتيان المتطرف على الخروج على الحاكم دون تصريح لفظي مباشر، وهذه المهارة أي اللعب بالمعاني عبر الألفاظ تحتاج إلى نوع من البراعة كما يقول أخوه.
لا شك أن فكر المؤلف في كتاب معالم في الطريق متطرف وإقصائي وبعيد كل البعد عن الوسطية، ونظرته حانقة حاقدة سوداوية للعالم والبشرية، فالعالم في نظره كله يعيش جحيم بائس وفراغ أخلاقي.
لا ينظر سيد قطب الحال الواقعي لدول العالم بأنها تتنافس على مركز السيادة على المستوى الاقتصادي والحضاري والعسكري ولا يوجه دول العالم الإسلامي للعناية بأسباب الرقي والتقدم الحضاري، بل يرى سيد قطب أن كل حكام دول العالم هم طغاة وطواغيت كونهم يعيشون الجاهلية، ويدعو المؤلف لتأسيس جماعة مضادة لها خصائص معينة تنشل الناس من حكم الجاهلية، بأسلوب العنف والإرهاب. ولقد وصف سيد قطب جماعته بأنهم «جيل قرآني فريد» ومن خصائصهم أنهم يجمعون بين النقيضين؛ إنها معتزلة عن المجتمع وفي الوقت نفسه تريد أن تحكمهم. وفي الوقت الذي يدعو سيد أتباعه للتقوقع والانعزال عن المجتمع باعتبار الشعوب الإسلامية مجتمعات «جاهلية»، يشحن فيهم الكراهية ويؤلبهم على العدوان ضد الحكام ويدعو بشكل ضمني لجهاد وقتال رجال أمن البلاد.
وهذا المنهج الذي رسمه سيد قطب مشت عليه كل فرق العنف بمن فيهم الدواعش والخوارج، فكل جماعات العنف المتطرفة هم تلاميذ لمنهجيته.
يؤكد سيد قطب مراراً وتكراراً في كتابه أن التقنيات والتطور والحضارة هي صورة من صور الإفلاس الأخلاقي، ولم تكن أبداً قضية سيد قطب هي حل مشاكل وتحديات الدولة وكيف يمكن توفير حياة كريمة للشعب، ولم يكن من اهتماماته وضع مقترحات لحلول مشكلة الفقر والبطالة ورفع مستوى التعليم والصحة، ولم يكن من أولوياته وضع خطط ازدهار وإصلاح اقتصادي وتنموى، ولم يكن من اهتماماته العناية بوسائل التقنية والتطوير، فكل ما يردده هي فكرة: أن الحكام طغاة، وأن الشعوب جاهلية، وأن الأولوية هي إعلان الحرب على الحكام «الطغاة».
رغم أن فكره وعرضه شاطح لكل عاقل إلا أنه يلقى قبولاً لدى شريحة من الفتيان باعتبار أن الفتيان يشدهم أسلوب العرض الحماسي للفكرة دون التدقيق في محتواها، خصوصاً إن كان هؤلاء الفتيان محبطين وناقمين على المجتمع.