رضا إبراهيم
تكملةً لما سبق، ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 2018م كان هناك نحو (250) ألف طن من المعادن الثقيلة الناتجة عن الوقود في التخزين بكل أنحاء العالم، ونحو (120) ألف طن من الوقود المستهلك المعادة معالجته، وحسب إحصائية عام 2018م يقدر إجمالي المخزون العالمي من النفايات المشعة حوالي (35) مليون متر مكعب، منها (28.5) مليون متر، أي نحو (82) بالمائة من إجمالي الكمية، تم التخلص منها بصورة دائمة، ونحو (6.3) مليون متر أخرى تمثل (18) بالمائة، جرى تخزينها في انتظار التخلص منها نهائياً.
كما تمّ تصنيف أكثر من (98) بالمائة من النفايات الصلبة، باعتبارها نفايات منخفضة جداً أو منخفضة المستوى من حيث الحجم، وجزء كبير من الباقي منها عبارة عن نفايات متوسطة المستوى ومن حيث النشاط الإشعاعي الكلي، ما يعني انعكاس الوضع كلياً، لارتباط ما يقرب من نفس (98) بالمائة من النشاط الإشعاعي بنفايات «متوسطة وعالية المستوى».
والواجب ذكره أن إدارة النفايات النووية، هي التقنيات التي تسمح للمفاعلات النووية بالتعامل مع السمية الناتجة أثناء عملية توليد الطاقة، لذلك تهدف الشركات إلى تقليل النشاط الإشعاعي الضار للنفايات النووية عبر إدارة النفايات، وقد تختلف السلطات المسؤولة عن تنظيم إدارة النفايات بكل أنحاء العالم.
هذا وقد بلغ حجم سوق إدارة النفايات النووية عام 2015م نحو (1382) مليار دولار، ويتوقع نموه بشكل كبير خلال العقد الحالي، فوفقاً لـ «أبحاث السوق الشفافة» يعتقد أن ينمو بمعدل يبلغ حوالي (16) بالمائة، ليصل إلى نحو (5600) مليار دولار بقدوم عام 2024م، وتعتبر أوروبا هي السوق الرئيسي لإدارة النفايات النووية، تليها آسيا نتيجة لبناء دولتي «الهند والصين» عدداً من المنشآت النووية بالسنوات الأخيرة.
ولا يوجد لدى كل الدول الظروف الجيولوجية المناسبة لمثل هذا التخلص، وبالنسبة للعديد من الدول التي لديها برامج نووية صغيرة، فإن الموارد المالية والبشرية اللازمة لبناء وتشغيل مرفق التخلص الجيولوجي أمر شاق جداً، وبحسب ما أورده مكتب محاسبة الحكومة الأمريكية يوجد بكل أنحاء العالم (300) ألف طن متري من النفايات النووية المشعة.
وبالنظر إلى أن قوانين السلامة بأوروبا والولايات المتحدة، فهي تسمح بدفع تكاليف التخلص من المواد النووية السامة لتصل إلى (2500) دولار للطن الواحد، ما دفع سماسرة النفايات النووية إلى توجيه انتباههم إلى أقرب الشواطئ وأكثرها فقراً، وبالأخص بدول غرب إفريقيا، التي تتلقى عروضاً كثيرة لتفريغ النفايات النووية بها، ففي عام 1988م أعلن عن تلقي كل دول غرب إفريقيا عروضاً من شركات أمريكية وأوروبية، تبحث عن أرخص الأماكن التي يمكن أن يتم من خلالها التخلص من النفايات النووية الخطرة.
وبنفس الفترة اعتبرت الصحف الإفريقية، أن هذه العروض لا تعدو سوى تصرفات مجحفة وغير متسمة بالعدل، كما أطلقت نفس الصحف على تلك العروض مسمى (الإرهاب السام)، والغريب في الأمر انخفاض الرسوم المقدمة للسماسرة والمستفيدين الأفارقة ببعض الحالات، إلى نحو (3) دولارات للطن الواحد من النفايات، ولأن بعض دول غرب إفريقيا مصنفة من بين أفقر دول العالم، لذلك كانت هذه العروض مغرية جداً، ووجدت لها طريقاً بهذه الدول، وحسب ما نشر في فبراير عام 1988م، وقع المسؤولون بدولة «غينيا بيساو» عقداً مدته (5) سنوات، نصت شروطه على دفن (15) مليون طن من النفايات السامة من المفاعلات وشركات الأدوية الأوروبية.
على أن تتلقى غينيا مقابل ذلك دفعة سنوية قدرها (120) مليون دولار، وعلى صدر صفحات مجلة ( شباب إفريقيا Jeune Afrique) وهي أول مجلة تنطق باللغة الفرنسية والأكثر تداولاً في المنطقة الإفريقية، ظهر غضب واسع للكتَّاب والقراء على حدٍّ سواء، حيث عبر أحد القراء وهو طالب من زائير يدعى نانتشي ياروين سين عن مدى غضبه بقوله (لم يُعد خافياً أبداً على أحد أن بعض القادة الأفارقة، المتحمسين لأن يروا حساباتهم المصرفية السويسرية تنمو، وهم لن يترددوا بتحويل القارة الإفريقية إلى مكب نفايات للنفايات النووية من الدول الصناعية).
وحول تلقي دولة النيجر عروضاً في مايو عام 1988م من إحدى الشركات الهولندية لتخزين النفايات، كتب على نفس صفحات المجلة القارئ أدامو سيبو ليقول (من الواضح إن الغربيين أوضحوا أن هذه النفايات بمجرد دفنها، لن تكون خطيرة بعد الآن، إذا كان هذا صحيحاً، فلماذا باتوا غير سعداء بدفن النفايات في دولهم؟).
وفي إحدى المجلات التي تصدر بنيجيريا والموسومة بـ (اتحاد إفريقيا (African Concord كتب القارئ سام أوماتسي قائلاً (إن عدم تفكير إيطاليا في أستراليا أو جنوب إفريقيا أو أي مكان آخر للنفايات الصناعية، يعيد أصداء ما كانت أوروبا تعتقده دائماً عن إفريقيا، بأنها عبارة عن أرض قاحلة، والأشخاص الذين يعيشون فيها، هم عبارة عن كائنات ليس لهم حق الرفض أو القبول، لأن حريتهم مهدرة بالأساس).
وفي رد فعل صارم آخر سنت دولة «ساحل العاج» قانوناً في أوائل شهر يوليو عام 1989م نص على أحكام بالسجن تصل إلى (20) عاماً، وغرامة تصل قيمتها إلى (1.6) مليون دولار، لكل من يقوم أو يشارك في استيراد النفايات النووية إلى شواطئها، أو أراضيها على ساحل غرب إفريقيا، وتوجد هناك حالتان مؤكدتان فيما يخص نفس السياق وأدى كل منهما إلى سجن رجال أعمال يحملون جنسيات أوروبية.
وفي غينيا أيضاً قامت شركة الشحن النرويجية (AS Bulk Handling Inc) بإلقاء (15) ألف طن من مادة مدرجة رسمياً على أنها (مادة خام للطوب) في محجر مهجور في منتجع «كاسا» وهي جزيرة منتجع بالقرب من كوناكري، لكن سرعان ما لاحظ الناس في مارس عام 1989م أثناء تقضية عطلات نهاية الأسبوع في البر الرئيسي، أن الغطاء النباتي للجزيرة بدأ بالتلاشي.
ثم اكتشف التحقيق الرسمي الذي قامت به الحكومة، أن هذه المادة كانت عبارة عن رماد لمواد نووية نقلت من ولاية فيلادلفيا الأمريكية، وتلك الكمية كانت هي الشحنة الأولى بموجب عقد للتخلص من نحو (85) ألف طن من النفايات النووية بغينيا، وقد حكم بالسجن على سيجموند ستروم والذي كان يشغل منصب القنصل الفخري النرويجي ووكيل الشحن للشركة النرويجية في «كوناكري» باعتباره العقل المدبر للعملية.
وفي عام 2016م ازدادت الأحاديث حول قيام دولة آسيوية كبيرة بدفن عشرات الحاويات، التي تحتوي على نفايات سامة بصحراء شمال السودان في الفترة التي ما بين (2004 - 2009م) ووفقاً لأحد المسؤولين رفيعي المستوى وهو محمد صديق، الذي كان يعمل من قبل مديراً لهيئة الطاقة النووية السودانية، فقد عبر عن اعتقاده بأن النفايات كانت على الأرجح تأتي من المحطات النووية بتلك الدولة الآسيوية، وتم التخلص منها أثناء القيام ببناء أحد السدود، وزاد صديق في حديثه بأنه تم دفن عشرات الحاويات، التي تحتوي على نفايات سامة بصحراء شمال السودان، وتلك النفايات كانت تأتي على الأرجح من المحطات النووية التابعة لدولة آسيوية كبيرة وصديقة للسودان.
مشيراً إلى أنه تم إحضار حوالي (60) حاوية إلى السودان مع مواد البناء والآلات لبناء سد مروي «سد حمداب» في الجزء الشمالي من السودان، لكن صديق لم يذكر سنة الاستيراد تحديداً، أو تاريخ التخلص من النفايات النووية، لكنه أكد على أنه تم دفن (40) حاوية بالقرب من موقع البناء، بينما تم التخلص من نحو (20) حاوية أخرى بالصحراء.
وفي عام 2010م واجهت الحكومة السودانية، عدة شكاوى قدمها عمال محليون للتنقيب عن الذهب، ووفقاً لصحيفة الطارق السودانية تقدم العديد من عمال الذهب للحكومة بشكوى من إصابة العديد من العمال بالسرطان والأمراض الجلدية، وهناك شهود عيان أكدوا للصحيفة اكتشاف (500) برميل مختوم في صحراء العتمور بولاية نهر النيل.
ورغم محاولات جماعات الضغط في مجال الطاقة النووية لتهدئة المخاوف العالمية بشأن النفايات النووية، أكد المحاضر بكلية الحقوق بجامعة «جنوب إفريقيا» والمهندس الميكانيكي لمحطة الطاقة الدكتور خالد قسايمة لمجلة (أخبار الهندسة (Engineering News أن قضية النفايات النووية، هي المشكلة الوحيدة التي تواجهها الصناعة النووية حالياً ليس لديها إجابات، كما أشار قسايمة إلى أن النفايات المشعة، تشكل مخاطر صحية على الناس والبيئة، ويمكن استخدامها أيضاً لصنع قنبلة نووية مرتجلة.
مضيفاً بأن النهج الرئيسي للصناعة النووية للتخفيف من هذا الخطر، هو تنفيذ إدارة دقيقة للنفايات النووية لضمان عدم حدوثها، وانتقد قسايمة تشريعات جنوب إفريقيا، وبالأخص القانون الوطني للتخلص من النفايات المشعة وتعريفه لمصطلح (التخلص)، وأعتقد أنه مع التقنية المستخدمة حالياً للتعامل مع النفايات المشعة، يجب أن يكون المصطلح تخزين وليس التخلص.