خالد بن حمد المالك
الاتصالات لا تتوقف بين الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء الإسرائيلي من جهة، وبين وزيري الدفاع في الدولتين من جهة أخرى، للتنسيق، ومتابعة مجريات الحرب، وتغليظ العدوان الجائر على غزة، ضمن إصرار واشنطون على ترسيخ الاحتلال، ومنع أي فرصة لقيام الدولة الفلسطينية، في موقف مضاد لقرارات الشرعية الدولية.
* *
وامتداداً لذلك، فإن أمريكا لم تكتف باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار روسي أمام مجلس الأمن لإيقاف القتال، واستخدامه ضد مشروع قرار برازيلي لهدنة مؤقتة لإدخال الأغذية والأدوية والمحروقات، وإنما تقدمت من جانبها بمشروع قرار يدين حماس، ويعطي الحق لإسرائيل بالدفاع عن نفسها على غرار ما تفعله من قتل وإصابات وتهجير وهدم في غزة.
* *
هذه هي أمريكا التي يُقال إنها دولة المؤسسات، وحامية الديمقراطيات، ومناصرة حقوق الإنسان، فيما هي من يشرِّع لقتل المدنيين الأبرياء، ومن تستخدم حقها في استخدام (الفيتو) لإجهاض أي إنصاف للفلسطينيين، ومنع أي توجه لقيام الدولة الفلسطينية، مع ممارسة الضغط على حلفائها من الدول الأوروبية لمساندتها في هذه المواقف الظالمة، وتشجيعها في المضي على قهر الشعوب، وحرمانها من حقوقها الشرعية.
* *
ولا بأس لدى ساسة أمريكا أن يُقتل الفلسطينيون، وأن تُهدم البيوت على رؤوس ساكنيها، وإن تستمر الغارات الإسرائيلية بالأسلحة الأمريكية الفتَّاكة وعلى مشهد منها لتقتل هذه الآلاف من البشر بلا رحمة، ولا إنسانية، ولا شعور بالذنب، انتقاماً من شعب يريد أن يحرر أرضه من مستعمرها، وأن يعيش حياته حرة كريمة كما كل البشر.
* *
هذه أمريكا التي تصنف بكل جماليات ما يمكن أن يُقال عن دولة مثالية، فإذا بها في كل يوم، ومع كل حدث تكشِّر عن وجهها الحقيقي المناقض لما كان من انطباع جميل عنها، فيما كان عليها أن تقف على مسافة واحدة من الجميع، وتتعامل بميزان الحق والعدل مع إسرائيل وفلسطين لو كانت دولة في مستوى الدولة التي يفترض أن تقود العالم، وترسِّخ قيم السلام في الدول وبين المجتمعات.
* *
قهر الشعوب، وهذا ما يجب أن تعرف قيادات الولايات المتحدة الأمريكية، لا يفضي أبداً إلى القضاء على حقها في استرداد حقوقها، مهما كلفها ذلك من ثمن، فهذه الجزائر، ودولة جنوب إفريقيا، وفيتنام، وأخيراً دول إفريقيا وغيرها - كمثال- لم يفت من عزيمة شعوبها إلزام المستعمر بأن يحمل عصاه ويرحل غير مأسوف عليه، وهو ما سيكون مستقبلاً في فلسطين آخر دولة مستعمرة في العالم، مهما كانت حمم القنابل والصواريخ والأسلحة الفتَّاكة تفتك بالفلسطينيين.
* *
نعم إن ما يجري في فلسطين يدمي القلب، ويهز المشاعر، ويغضب كل إنسان حر شريف، حتى وإن كنا في زمن يتسلط فيه القوي على الضعيف، والأطماع تأتي أولاً على حساب حقوق الآخرين، وارتكاب الجرائم والمجازر بتلفيق المبررات لإيجاد سبب للعدوان الغاشم، غير أن لهذه جولة وقد تكون جولات، لكنها أبداً لن تطول، وإن طالت فليس هناك حق سيضيع ووراءه مطالب.
* *
آلاف قُتلوا، وآلاف جُرحوا، وآلاف البيوت هُدمت، ولا زالت شهية إسرائيل لم تشبع من القتل والهدم والتهجير والإصابات، ولا زالت أمريكا ترى أن الوقت لم يحن بعد لإيقاف عدوان إسرائيل، فالخطة أن يتم تفريغ غزة من سكانها، وتهجيرهم إلى سيناء، وإعادة الاحتلال الإسرائيلي لها، ولكن هذه المرة بلا سكان من الفلسطينيين، وبعدها سوف يمتد المخطط ليشمل الضفة الغربية، لأن إقامة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية ثبت أنها لا تكفي لإنهاء القضية الفلسطينية.
* *
وما حدث يوم 7 من شهر أكتوبر هذا العام، وإلى اليوم بعد ثلاثة أسابيع تقريباً يؤكد لنا أن إنهاء القضية الفلسطينية لن يكون كما تحلم أمريكا وإسرائيل والدول الأوروبية، فالصراع سيستمر، ومعادلات الحرب سوف تتغيَّر، وكلما أمعن الجيش الإسرائيلي في القتل وزاد من مجازره، شجع الفلسطينيين على زيادة وتيرة العمل، والكفاح والتضحيات لاسترداد حقوقهم المشروعة، وبناء دولتهم الحرة المستقلة.