أ.د.عثمان بن صالح العامر
منذ عهد المؤسس لهذه الدولة المباركة جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته- حتى اليوم، عصر العزم والحزم، كانت - وما زالت وستظل- قضايا المسلمين عامة، والقضية الفلسطينية خاصة، على رأس القضايا التي توليها المملكة العربية السعودية قيادة وشعبًا جُل اهتمامها، وعظيم رعايتها، وكبير مساندتها ودعمها؛ فهي القضية الأولى التي تتربع على رأس القضايا المعاصرة في ذهنية السعوديين الذين يدعمونها ماديًّا، ويقفون معها معنويًّا.. نافحوا عنها على المستوى السياسي في جميع المحافل الدولية والملتقيات العالمية. وأتحدى أن يأتي أحد بموقف واحد خلاف ذلك. كتب عنها المثقفون الكتب والمقالات، وعبّر عن مشاعرنا نحوها الشعراء أهل البيان، ودعمها الصغير والكبير، الرجل والمرأة، الغني والفقير، كلٌّ بقدر استطاعته وما تجود به نفسه. كان الكل بلا استثناء، حتى المعدمون البؤساء، يشاركون بحملات جمع التبرعات لأهلنا وإخواننا في فلسطين منذ السبعينيات عندما كان الشعار آنذاك (ادفع ريالاً تنقذ عربيًّا) - الذي سكه مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حين أسس (اللجنة الشعبية لمساعدة مجاهدي وشهداء فلسطين) وذلك رداً على الصهاينة وشعارهم الذي رفعوه (ادفع دولاراً تقتل عربياً)- وإلى اليوم، وسنظل كذلك - بإذن الله - حتى تعود الأرض الفلسطينية كاملة للمسلمين.
طبعًا لا أقول هذا منة وفضلاً؛ فنحن نعتبر الدفاع عن القضية الفلسطينية عقيدة، ندين لله -عز وجل- بها، ولا يمكن أن نتخلى عنها بحال؛ فهي قبلة المسلمين الأولى، وثالث الحرمين الشريفين، التي تشد لها الرحال في الإسلام، ومسرى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم.
وفي هذا السياق، وعطفًا على الأحداث المؤلمة التي تجري هذه الأيام في قطاع غزة. (أعربت وزارة الخارجية السعودية عن إدانة المملكة العربية السعودية بأشد العبارات الجريمة الشنيعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بقصفها المستشفى الأهلي المعمداني في غزة، والذي أدى لوفاة المئات من المدنيين، من بينهم أطفال وجرحى ومصابين، وفق بيان صادر عن الخارجية نشرته «واس».
ورفضت المملكة العربية السعودية بشكلٍ قاطع هذا الاعتداء الوحشي الذي يُعد انتهاكاً صارخاً لكل القوانين والأعراف الدولية بما فيها القانون الدولي الإنساني، كما عبرت عن استنكارها لعدم وقف الاحتلال الإسرائيلي هجماته المتواصلة ضد المدنيين رغم العديد من المناشدات الدولية.
واعتبرت أن هذا التطور الخطير يفرض على المجتمع الدولي التخلي عن ازدواجية المعايير والانتقائية في تطبيق القانون الإنساني الدولي عندما يتعلق الأمر بالممارسات الإسرائيلية الإجرامية ويتطلب موقفاً جاداً وحازماً لتوفير الحماية للمدنيين العزل.
كما أكدت المملكة على ضرورة فتح ممرات آمنة فوراً، تلبيةً لنداءات الاستغاثة التي أطلقتها الدول والمنظمات لإيصال الغذاء والدواء للمدنيين المحاصرين في غزة، وتحميل قوات الاحتلال الاسرائيلية كامل المسؤولية جراء استمرار خرقها المتكرر لكل الأعراف والقوانين الدولية).
على صعيد آخر جدد سيدي صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، التأكيد على موقف المملكة الثابت تجاه مناصرة القضية الفلسطينية، ودعم الجهود الرامية لتحقيق السلام الشامل والعادل الذي يكفل حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة.
وأكد حفظه الله ورعاه، أن السعودية تبذل جهوداً حثيثة في التواصل الإقليمي والدولي؛ بهدف التنسيق المشترك لوقف أعمال التصعيد الجاري، مشدداً على موقف المملكة الرافض استهداف المدنيين بأي شكل وإزهاق أرواح الأبرياء، وموكداً في الوقت ذاته على ضرورة مراعاة مبادئ القانون الدولي الإنساني، الذي يوجب وقف الهجوم على قطاع غزة.
وفي هذا وذاك إلجام كل صوت يزايد على مواقف بلادنا، وإسكات صريح لكل المتربصين بنا الدوائر، والمشككين بمواقف حكامنا وأبطالنا وعلمائنا، وعامة شعبنا، القديم منها والحديث. ولعل من بين الدلائل والشواهد التي سطرها أبناء هذا الوطن المعطاء مشاركتهم الفعلية مع الفلسطينيين والعرب جنبًا إلى جنب في معاركهم التاريخية ضد إسرائيل؛ الأمر الذي دعا جيل اليوم إلى أن يسمي شارعًا رئيسًا في مدخل طولكرم في فلسطين باسم البطل السعودي المناضل والمقاتل من أجل الدفاع عن الأراضي الفلسطينية (فهد المارك). ولأن الشيء بالشيء يُذكر، فقد سمى الملك فيصل -رحمه الله- الشارع الذي تقع فيه السفارة الأمريكية باسم (فلسطين)؛ كي يكون عنوانًا لها؛ الأمر الذي يجبرون معه على كتابة اسم فلسطين في جميع تعاملاتهم ومخاطباتهم الداخلية والخارجية. وكان من وصيته المأثورة عنه -رحمه الله- قوله (علموا أولادكم أن فلسطين محتلة، وأن المسجد الأقصى أسير، وأن الكيان الصهيوني عدو، وأن المقاومة شرف، وأنه لا يوجد دولة اسمها إسرائيل). ومن أراد المزيد من الدلائل والبراهين والمواقف والأحداث فليرجع إلى لقاء (العربية) مع صاحب السمو الملكي الأمير بندر بن سلطان ففيه الحقائق الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار بالأرقام والأشخاص والأماكن والأزمنة. حفظ الله قادتنا، وأدام عزنا، ونصر جندنا، ورفع البلاء عن أهلنا في غزة. ولا تنسوهم من الدعاء في هذه الأيام، فلعل الله أن يفرج عنهم ما هم فيه عاجلا غير آجل، دمتم بخير، وتقبَّلوا صادق الود. والسلام.