د. إبراهيم بن جلال فضلون
هي ليست حرباً ولا صراعاً، أي هي حزمة مخاطر يغذي بعضها بعضاً، لها آثار مضاعفة؛ ودائرتها الرئيسة منافع متناقضة ونزاعات وصراعات على (التورتة)، يقودها القوة العسكرية وتقنياتها المتواجدة أينما يحدث اختراق للمصالح، منذرة ورادعة، ولا أدل من ذلك إلا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فقد كانت عملية طوفان الأقصى 7 أكتوبر صاعقة كصاعقة حرب أكتوبر 1973م، والتي بدأت بحرب رادعة وانتهت بمفاوضات ودبلوماسية وسلام، لكن الأخيرة حرب مصير لليهود ووطن الميعاد الزائف من النيل للفرات، فما بنوه في أعوام انهار أمام طوفان الحق في لحظات، إلا أن «التسوية» كثيراً ما تكون غامضة، وهى دائماً تقع تحت ضغط السؤال: «ثم ماذا بعد؟»، وهو ما لامسه العالم من الموقف الأمريكي الحانق والأوروبي العاجز من دعم مدللتها إسرائيل، بل والحرب معها، فلا أصدق أن 2000 جندي من النخبة الأمريكية سيذهب للاستشارة فقط، إنها ألاعيب الماسونية وشياطين اليهود، فهُم من صنعوا داعش والقاعدة وهُم من صنعوا حادثة 11 سبتمبر وقتلوا أبناءهم الأمريكان، فلما لا وإسرائيل تضحي الأن بعملية بأبنائها الذين جمعتهم من كل أرجاء الأرض بجهد سحيق، وتغامر بعملية برية سترى فيها الجحيم حتى لو شاركهم جنود العالم، فإن {يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ} (سورة آل عمران)، ومن هنا نجد مفهوم الأزمات المتراكبة (polycises) تجتاح عالمنا، وفق تقرير المخاطر العالمية لعام 2023 الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي المعروف بمنتدى دافوس.. وأول ظهور للمصطلح كان عام 2018 كتاب بعنوان «الانهيار: عقد الأزمات المالية التي غيرت العالم». واستعراضه أزمة 2008 الاقتصادية، شاملاً ثلاثة أبعاد: ما بعد أزمة 2008، وبُعد جيوسياسي بحروب روسيا ضد دول ناتو، وبُعد سياسي لاسيما في انتخابات بلهاء بين الحمار والفيل الأمريكي قادمة، وهنا لا يفوتنا ما كان أصوله لدى الاقتصادي الإنجليزي توماس مالتوس (ت 1834) الذي صدمه الازدياد السكاني السريع في أوروبا مطلع العصر الحديث، نتاجها فشل البشرية في مواجهة هذه الأزمة بسبب الأنانية وفردية القرارات كما يحدث حالياً مع إسرائيل ضد فلسطين واستخدام حق الفيتو على القرار الروسي منذ أيام، وهو ما يؤكد الصلة الفكرية للكلمة منذ عام 1972 في تقرير حدود النمو.
لعل التسارع في معدلات التطوير التكنولوجي وزيادة وتيرة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي الذي أوقع إسرائيل في فخ حماس، والانتشار السريع لفنون الإنتاج والتكنولوجيا، وسلاسل التوريد المعقدة، وغيرهم من العوامل التي أدت إلى عالم من الأزمات المتضخم و(تحوره كوباء كوفيد إلى مخاطر وتهديدات)، شديدة يلا يمكن إدراكها أبداً.. خاصة إذا تعددت الأزمات مع أزمة جيوسياسية ككورونا وبعدها الحرب الروسية لأوكرانيا، وكذلك التوتر الدولي بين قوى الغرب والصين، والتضخم العالمي وزيادة أسعار الفائدة وتحول العالم للعملات البديلة للدولار الأخضر الذي أوقع أميركا في براثن الديون والتضخم، وكذلك أزمة التغير المناخي ونقطة اللاعودة، وسط إخفاق عالمي، ليدور في الذهن دائماً من الفائز ومن الخاسر؟.
إذاً الأزمات المتلاحقة التي تضرب عالمنا المأسوف عليه بسبب قلة «نفعية» لا تمثل لحظة استثنائية في تطور البشرية والنظام الدولي، لكنها بداية لمرحلة تغيير جذرية تتفاعل مع أزماتها المتعددة لتتولد منها أزمات مكبرة لا حصر لها، مع غياب استراتيجيات واضحة ومجربة للعمل، وهو ما تضعف فيها القواعد المنظمة، والقرارات الدولية، التي ما نتج عنها كذلك إلا الإرهاب والتشدد والتعصب لدرجة أن يقتل رجل أمريكي طفلاً صغيراً بسبب الأزمة في غزة، ويقتل شرطي أسود بسبب لونه، ويتشدق كبير البيت الأبيض بأن شعب الله في غزة وكذلك غالانت «حيوانات بشرية»، ليتفوقوا على السلوك النازي بعنصريته، حيث كشفت دراسة حديثة في جنوب أفريقيا أن صوت البشر يسبب خوفاً، وتشتتاً لدى الحيوانات أكثر من زئير الأسد. وأظهرت 95 % من الحيوانات الخوف، وفرت بشكل سريع من المكان لدى سماع الأصوات البشرية، ليهرب كبار إسرائيل خوفاً ورعباً من أصوات وحجارة الفلسطينيين، التي سلبت إسرائيل أجزاء إضافية من أرضهم تصل إلى 30 % من الضفة الغربية، والآن يتشدقون بتهجير غزة لسيناء التي تحميها أسود الفراعنة ترعد بلا صوت.
هناك أمور ثلاثة لمواجهة الأزمات المركبة: أولها استعداد كل دولة وقدرتها على بناء عناصر القوة المختلفة، ثم ترتيب الأولويات لتحديد عناصر القوة اللازمة.. وأخيراً القدرة على اتخاذ القرار، وكلها أمور أو حلول عاجزة، في ظل التحكم الدولي والفيتو المريض عقلياً، ولذلك نجد السعودية والإمارات ومصر يحتكمون للعقل، فأضافت مصر في المحاكم الدولية اسم دولة فلسطين كي تقطع الطريق على من يتحايلون على ذلك من الغرب الفاسد وأصحاب العقائد الأيديولوجية الصماء، ولأهميتها التراكمية للأزمات خصص «معهد كاسكاد بكندا (cascade institute برنامجاً لدراستها وبحث آليات انتقال التأثير بين النظم المختلفة، وكيفية الاستفادة من ذلك لمعالجتها، رغم أن لها نقاداً يرون اللفظ هو مجرد تعبير جذاب، أما المفهوم فهو أداة تحليلية فقط، كما أعده المؤرخ الأسكتلندي الأميركي نيل فيرغسون، «بوليكريسيس» مجرد بديل بلاغي لمصطلح بلاغي آخر يُسمى «العاصفة الكاملة «perfect storm، بل ووصفها جدون رايهن محرر الشؤون الدولية في «الفاينانشيال تايمز»، (أكليشيه لا مفهوم تحليلي).
باختصار: (البوليكريسيس polycises) نتيجة فشل القوى الدولية الرئيسة في مشاركة العالم والتعاون معه في قرارات مصيرية كالتغير المناخي مثلاً وقضايا كثيرة، أهمها الآن حل الدولتين، ومواجهة تحديات وأزمات مقبلة.. فهناك تشاؤم أيديولوجي، يرى أنصاره أن العالم مقبل على كارثة، أغلبهم من نقاد الرأسمالية، الذين يرونها مصدراً لخراب الكوكب وضياع البشرية، وهناك متشائمون ميتافيزيقيون يؤمنون بأن للكون نهاية، فهل يكون تشاؤم (polycises) من النوع الوظيفي الذي يمكننا من خلاله الوصول للحلول الفاعلة؟.. لكن كيف والقوانين الدولية لم ترضخ لبند واحد في قراراتها الدولة اليهودية؟!.