خالد بن حمد المالك
تستخدم إسرائيل ضمن أدواتها في حروبها مع العرب، وأخيراً مع الفلسطينيين الحرب النفسية، حرب التخويف، وإثارة الذعر بين المواطنين، كما تستخدم التضليل، والأكاذيب، والمعلومات المغلوطة، لإيجاد نوع من الارتباك في صفوف الناس، بين مصدق ومكذب، وهو ما لاحظناه في الاعتداء الإسرائيلي الأخير على غزة حين حذرت المواطنين من استمرار البقاء في شمال غزة، وأن عليهم مغادرته إلى الجنوب خلال 24 ساعة، وكأنها تقول بأنه لن يبقى على قيد الحياة من التزم البقاء في هذا الجزء من القطاع، حيث يسكنه أكثر من مليون مواطن.
* *
هذا الأسلوب اللعين ليس هي إسرائيل من ابتدعته واتبعته، إذ إنه أسلوب قديم مُورس في كثير من حروب العالم، ولكن اللافت للنظر أن الفلسطينيين لا يلتزم أكثريتهم بالتحذيرات الإسرائيلية، حتى لمن يثق منهم بصدقها، كون الفلسطيني ما زال يتشبث بأرضه حتى ولو كان ذلك على حساب حياته، لأنه يرى أن التحرك منها بأي اتجاه هو تفريط بها، ومساعدة لإسرائيل على احتلالها، وثانياً هي نكبة جديدة، وتذويب جديد لحقه في دولة مستقلة.
* *
الأهم من ذلك، أن إسرائيل رغم تفوقها العسكري، ودعمها غير المحدود عسكرياً وسياسياً من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا، فهي لم تستطع على مدى أكثر من سبعين عاماً منذ الاحتلال، أن تسقط مطالبة الفلسطينيين بدولة لهم، وباستعادة حقوقهم، ولم توقف إصرارهم على ذلك، وتضحياتهم في سبيله، وقدرتهم على مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية الفتاكة، مثلما نرى الآن في غزة.
* *
وأمام إسرائيل تحديات كثيرة في مواجهة هذا الطوفان المتكرر من المقاومة الفلسطينية، فهي بين خيارين مُرّين لمعالجة القضية الفلسطينية، إما أن توافق على إقامة دولة فلسطينية، وهذه ستشكل على المدى البعيد صداعاً وتهديداً للجزء الذي احتلته من فلسطين، وهو ما يطلق عليه إسرائيل قبل حرب 1967م، أو أن ترفض إقامة الدولة الفلسطينية كما هي سياستها الآن، خوفاً من تبعاتها، وهذا يعني استمرار المقاومة الفلسطينية المزعجة للدولة العبرية.
* *
صحيح أن الخيارين يخيفان إسرائيل، وأنهما يضعان إسرائيل في حيرة من أمرها، بحيث لا تقوى على الأخذ بأي منهما، لكن تجميد الوضع على ما هو عليه، ورفض أي حلول، والاستناد إلى القوة العسكرية، المفرطة، لن يمنح لإسرائيل الأمن والاستقرار، كما أن التمسك بأراضي ما قبل حرب 1967م، ورفض إعادتها للفلسطينيين هو ضرب من الجنون، ولهذا -وبنظرنا- فإن على إسرائيل أن توافق على دولة للفلسطينيين على أراضي 1967م، وعاصمتها القدس الشرقية، ضمن إطار من الضمانات الدولية لدولة إسرائيل على حدود ما قبل حرب 1967م.
* *
إسرائيل تريد الأرض والسلام معاً، أي السلام مقابل السلام، بينما الفلسطينيون ومعهم العرب يرون أن الحل في الأرض مقابل السلام، والأخيرة معادلة صحيحة، شيء مقابل شيء، أما الأولى فهي ترسيخ للاحتلال الإسرائيلي، مقابل استسلام فلسطين، ومنعهم من أي مواجهات عسكرية ضد إسرائيل، وهو مطلب يقوّض حقوق الفلسطينيين، ويمنعهم من المطالبة بها، ومن المقاومة لتحقيقه.
* *
طوفان الأقصى مع ما فيه من نتائج أضرت بالمعنويات الإسرائيلية، فقد كشف عن ضعف جيشها واستخباراتها، وبالتالي يجب النظر إليه كمحفز كبير، لوقف الحرب، لوقف التصعيد، لبدء الحوار الجاد لصنع السلام التاريخي الحقيقي بين دولتي إسرائيل وفلسطين، وبدء صفحة جديدة من الأخوة وحسن الجوار، وطي صفحة العداء والقتال والصراع إلى الأبد.