عبده الأسمري
ما بين تراجم «السياسة» وشعر «الفراسة» ركض بين دروب «الفصاحة» و»الحصافة» مرتباً «مواعيد» الأثر على أسوار التاريخ بلسان «قويم» وبيان «قائم» واستبيان «مستديم».
تنفس بروح «الوطن» واستأنس ببوح «المواطن» وتجلل بضياء العروبة في أحضان «شبه الجزيرة العربية» فوزع إهداءات «الانتماء» وزرع إمضاءات «النماء» في الأمكنة والأزمنة في «فروسية» شخصية كان فيها مستشعر «الهمة» وشاعر «الأمة» الذي أهدى «بشائر» الشعور ومنح «تباشير» المشاعر» في اتجاهات سيرته بروح سخية ونفس نقية.
تعددت مواهبه فظل في «سباق» مع بعد نظر و»استباق» مع أبعاد بصيرة و»وفاق» مع أضلاع همم تجاوز فيها «التحديات» واجتاز أمامها «العقبات» وسطر وسطها «الملاحم» في شؤون «الترجمة» ومتون «الأدب» واتجاهات «التنمية».
إنه السياسي والإعلامي والشاعر معالي الشيخ عبد الله بن عمر بلخير رحمه الله مترجم الملك عبد العزيز رحمه الله وأحد أبرز رجال الدولة وشعراء العرب وفرسان الإعلام.
بوجه حضرمي «الملامح» قومي «المطامح» عريض الوجنتين وعينين تسطعان بنظرات «الذكاء» ولمحات «الدهاء» وتقاسيم «عربية» أصيلة بحكم الأصول و»وطنية» نبيلة باحتكام «الفصول» تعكس تفاصيل «النشأة» وتبرز تفصيلات «التنشئة» ومحيا يسكنه الصمت والسمت والشيب والطيب يتكامل على شخصية خليطة بين الود والجد مسجوعة بلين الجانب وأناقة الحديث ولباقة القول وطيب المعشر وجمال الوصال وصوت جهوري خليط ما بين «لهجة محلية بيضاء «في مجالس الأسرة ومواقع العائلة ولقاءات الأصدقاء ولغة فصيحة عصماء» في محافل الترجمة ومواطن القرار وآفاق التخصص وحضور شعري مهيب في منصات «الأدب» وتواجد أدبي فاخر في ميادين «الثقافة» وتفوق إعلامي فريد في «عناوين» الأوائل ومضامين «الأولويات» قضى بلخير من عمره عقوداً وهو يرسم «مشاهد» الضياء على صفحات «الوطنية» ويؤصل «شواهد» العطاء عبر بصمات «المهنية» سياسياً وقيادياً ومترجماً وريادياً وشاعراً سطر مسيرته بنور «الكفاح» وعطّر سيرته بضوء «الفلاح».
في قرية «غيل بلخير» بمديرية دوعن الدرة المضيئة في «حضرموت» الباذخة بتخريج التجار والأدباء والعباقرة ولد في نهار صيفي عام 1912 في منزل والده «الوجيه الحضرمي» الشهير بالمكارم وتفتحت عيناه على والدين كريمين ملآ قبله بموجبات النصح وعزائم التوجيه وألحقه والده مبكراً بالكتاتيب الصغيرة في أرجاء قريته والتي كانت تعج بعلماء الحضارم حيث تعلم فنون الخط العربي ودرس الحساب وعلوم الشريعة واللغة العربية ورافق والده في مناسبات مختلفة ببلدته وحفظ من خلالها الشعر وارتبط بالقصائد والمواويل الباكرة التي انغرست في الجزء اللامع من ذاكرته الغضة.
هاجر مع والده من حضرموت طفلاً إلى مكة المكرمة والتحق بمدرسة الشيخ محمد أمين الماحي الابتدائية بحي الشبيكة وحفظ القرآن الكريم وهو في سن العاشرة وواصل تعليمه ونظراً لنباغته اختاره شيخه «الماحي» لإمامة الناس في صلاة التراويح في أحد مساجد الحي وظل ينهل من منابع «العلوم» حيث درس الفقه الشافعي على يد الشيخ سعيد يماني وعلم الحديث من الشيخ عمر حمدان المحرسي ودرس في حلقات السيد محمد أمين كتبي ثم التحق بمدرسة الفلاح وظل يتردد مع معلمه وملهمه الشيخ علوي مالكي على حلقات المسجد الحرام والمناسبات الدينية حتى تعتقت نفسه بأنفاس السكينة وتشربت روحه نفائس الروحانية في جنبات البيت العتيق الذي كان جامعته «الأولى» التي نهل من معينها «المعارف» ونال من مناهجها «المشارف».
صال وجال مع أقرانه مشفوعاً برياحين «الطهر» المكي ومسجوعاً بعبق «المكان» وأفق «الزمان» بين أحياء مكة المكرمة مواظباً على ورده اليومي من الذكر وعهده الذاتي مع الفكر حيث ظل ثاوياً أمام مكتبات باب السلام يغترف من مشاربها «غنائم» النحو والتراجم والحديث نهاراً ويمكث في مساءاته أمام «مجاميع» الأدباء المكيين مقتنصاً من جلساتهم وميض «العلم» ومن نقاشاتهم فيض «المعرفة» متأبطاً مجلات أدبية وكتب وقصاصات كانت «حصاداً» يومياً يملأ به غرفته الصغيرة المكتظة بالغنائم المعرفية.
بدأ الركض في مضمار الشعر عندما أقيمت مسابقة شعرية أعلنت عنها إدارة المعارف للترحيب بالكشافة العراقيين وقدم فيها قصيدة شهيرة من 40 بيتاً بدأ مطلعها بـ (شبه الجزيرة موطني وبلادي.. من حضرموت إلى حمى بغدادِ) وفازت القصيدة بالجائزة وعممت على جميع المدارس ثم بدأ ينظم قصائده التي وصلت إلى مديرية المعارف وتولت طبعها وتعميمها على مدارس المملكة وبلغت حوالي 13 قصيدة وأطلق عليه لقب «شاعر الشباب».
تخرج من مدرسة الفلاح عام 1933 وتم تسليمه شهادة العبقرية والتي خطها بماء الذهب شيخ الخطاطين في مكة الشيخ سليمان غزاوي وفور تخرجه عمل في حقل التعليم بالحرم المكي الشريف، وألقى قصيدة شهيرة من ثلاثين بيتاً في مناسبة بحي جرول بمكة ابتهاجاً بعودة الملك عبد العزيز من الرياض ونالت إعجابه، فما كان من الملك المؤسس إلا أن أمر بابتعاثه للدراسة في بيروت وانضم إلى الجامعة الأمريكية وتعرف فيها على أدباء ومفكري لبنان مما رفع ثقافته وصقل مواهبه.
عاد بعد إكمال الدراسة لأرض الوطن ليعمل في وزارة المالية أولاً، ثم انتقل إلى الشعبة السياسية بديوان الملك عبد العزيز مترجماً بـ(قسم الاستماع)، في إدارة أنشئت في منتصف الخمسينيات الهجرية 1354هـ سميت بشعبة الإذاعة تابعة للشعبة السياسية كانت تعادل وزارة الخارجية وتعنى برصد الإذاعات العالمية.
اصطحبه الملك عبد العزيز في رحلاته المختلفة داخل وخارج المملكة، ونظراً لإجادته للغة الإنجليزية فقد اعتبره الملك المؤسس مترجمه الأول حيث ترجم اللقاءين التاريخيين مع الرئيس الأمريكي روزفلت ورئيس الوزراء البريطاني تشرشل.
رافق بلخير، الأميرين فيصل وخالد في أربعينيات القرن الماضي في رحلتهما الشهيرة إلى أوروبا والولايات المتحدة، وترجم لقاءاتهما ورافق الملك فيصل في بعض زياراته.
وقد تولى بلخير منصب رئيس ديوان الملك سعود ورافقه في بعض زياراته وقام بإنشاء المديرية العامة للإذاعة والصحافة والنشر وعين مديراً عاماً لها في الفترة ما بين (1954 - 1962م)، وعين وزير دولة لشؤون الإعلام والنشر.
وفي عهد بلخير ازدهرت الإذاعة والإعلام فتم إنشاء إذاعة صوت الإسلام، وإنشاء مجلة الإذاعة، ونقل الإذاعة من مكة إلى جدة، وأصدرت أكثر من 12 صحيفة وغيرها من المنجزات.
تنقل بلخير بين مناصب عديدة منها شؤون الجامعة العربية والمؤتمرات ورئاسته لديوان إمارة الرياض عام 1953م.
بعد سنوات من السخاء التنموي ودع العمل الحكومي وسافر مع أسرته سائحاً بين عدة بلدان وقضى معظمها ما بين لبنان ومصر طوال «العقدين الأخيرين» من عمره.
وفي عام 2002 انتقل بلخير إلى رحمة الله أثناء تلقيه العلاج الطبي في أحد المستشفيات اللبنانية ودفن فيها بناءً على وصيته واتباعاً للسنة النبوية بالدفن في مكان وفاته.
ونعته اتجاهات الوطن الأربعة وتناقلت خبر وفاته وسائل إعلام محلية وعربية ودولية وعزا فيه تلامذته ورفقاؤه وأصدقاؤه ولا تزال سيرته ملء السمع والبصر في كل «استذكار» مشفوع بسير «النبلاء» و»الفضلاء» الذين أجادوا سبر «أغوار» الانفراد وعزفوا على «أوتار» السداد.
عبد الله بلخير.. معالي الشاعر عالي الأثر الذي كتب «المجد» شعراً وشعوراً وخدم «الوطن» عنواناً وتفصيلاً وخلد «الذكر» تعبيراً وتقديراً في مقامات «المبدعين» وقوائم «المؤثرين».