حسن اليمني
إعادة احتلال قطاع غزة في فلسطين بات فكرة خلاص تراود العقل العسكري الإسرائيلي وهو نظرياً أمر ممكن لجيش مدجج بأعتى الأسلحة ومدعوم من قبل دول أعلنت وقوفها مع الكيان واستعدادها للحرب معه ودفاعا عنه والسؤال المهم هو في ماذا بعد ذلك؟
بالتأكيد لن يتم دفن القضية الفلسطينية مع الأطفال والمسنين والمقاتلين الفلسطينيين الذين صار يتم دفنهم جماعيا لكثرتهم لكن ربما تخمد الأصوات لفترة مؤقتة ريثما يتم بناء قوة فلسطينية جديدة وهكذا، فلا أحد في العالم الغربي اليوم يتحدث عن أصل القضية فهي خارج البحث وإن حاول البعض التذكير بها كما فعل وزير الخارجية الصيني مع نظيره الأمريكي أو التصريحات من الرئيس بوتين حول وجوب قيام دولة فلسطينية مستقلة وتصحيح الخطأ التاريخي الذي صنعه الغرب في المنطقة العربية.
إعادة احتلال غزة في حال نجاحه سيفتح الشهية الإسرائيلية لتطبيق العملية ذاتها في الضفة الغربية ليتم حسم وأد القضية الفلسطينية بشكل تام حسب زعمهم، وبوجود الدعم والإسناد من بعض الدول الغربية فإن النجاح سيحسب هزيمة للأطراف الدولية المنافسة مثل روسيا والصين في ميدان المنطقة العربية التي صارت تسمى بالشرق الأوسط، هل هناك احتمالية لرد فعل يعرقل أو يعطل نجاح اجتياح غزة لتنال الصين وروسيا ورقة رابحة تشارك بها الغرب في رسم صورة المنطقة؟ ربما نعم ولكن نيل هذه الورقة لن يكون مجانا، والدخول المباشر غير متوقع باعتباره خطأ استراتيجيا مدمرا للعالم كله بما فيه أطراف الصراع الدولي، لذلك يبدو مرجحا إدخال دول في المنطقة كعصا لتعطيل عجلة الاجتياح للوصول لتدويل المشكلة أو الأزمة بما يستدعي جهودا سياسية لدول الصراع لبحث حلول تنوب عن الحرب العالمية.
وقد لا نفهم حقيقة ما يمكن أن يحدث في حال حصل الغزو البري من قبل الكيان الإسرائيلي وحلفائه في الغرب للقضاء على المقاومة الفلسطينية ما لم نفهم حقيقة ما جرى فعلا يوم السابع من أكتوبر، ولا جدوى من التفاصيل ولكن العنوان الحقيقي لما حدث هو هزيمة عسكرية مجلجلة للكيان الإسرائيلي بقوة فلسطينية محاصرة أكثر من عقد ونيف لتعيد تحرير جزء كبير من الأرض وتدك المغتصبات وتقتل وتأسر أعدادا هائلة لم تحدث للكيان منذ نشأته عام 1948م بما يؤشر بشكل واضح وجلي لإمكانية تحرير فلسطين من قبل مقاومة فلسطين دون أي دعم عربي أو إسلامي، وهو أمر لم يخطر في خيال أكثر المتفائلين، والأدهى من ذلك أنه وبرغم مرور أسبوعين على انطلاق شرارة فجر السبت السابع من أكتوبر ما زال هناك مناوشات داخل بعض المغتصبات المحيطة بغزة وما زال هناك تزايد في أعداد القتلى من الكيان الإسرائيلي، وبهذه الصورة نفهم أننا أمام حدث تاريخي من المحتمل بشكل قوي أن ينتقل من حرب بين فلسطين والكيان المحتل إلى صراع دولي معقد.
لقد تم التغافل عن القضية الفلسطينية وقتا طويلا وخاصة بعد وصول منظمة التحرير الفلسطينية إلى رام الله وحل أجهزتها المقاومة مقابل الدخول في دهاليز المفاوضات من أجل المفاوضات لتظهر قوة المقاومة المصنفة إسلامية لتحل محل حركات المقاومة التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية التي خرجت من الساحة بالاعتراف بالكيان والتعامل معه، وهنا ظهر تحول كبير في مسار القضية الفلسطينية بمسلك تحرري غير معني باجتهادات الآخرين لنصبح بين مفاوضات عبثية ومقاومة مفرقعات عبثية وهكذا إلى أن وصلنا فجر السابع من أكتوبر ليصح العالم على حدث تاريخي يحتمل في تبعاته أن يغير قواعد النظام العالمي.
إن أول ما يمكن استنتاجه من هذا الحدث التاريخي هو إعادة القضية الفلسطينية للمربع الأول الذي يبحث أصل نشأة الكيان المحتل وقرارات الأمم المتحدة وخصوصا القرارين الأول (242) الصادر من مجلس الأمن في 22 نوفمبر 1967م ومن قبله القرار (181) الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة شهر نوفمبر للعام 1947م والمؤكد ان الكيان الإسرائلي سيعيد رفض مناقشتها من الأسس وهو الذي رفض مبادرات السلام العربية وبالتالي حشر الغرب الموالي للكيان في الزاوية وكشف عجزه عن حل القضية بمفرده بما يستدعي دخول روسيا والصين في المعالجة وكما قال وزير الخارجية الصيني في حديثه مع وزير الخارجية الأمريكي أن القضية ليست معقدة وليست بحاجة لهذه العقود الطويلة من الفوضى والحروب المستمرة في المنطقة وأن الحل متوفر في تطبيق القانون الدولي دون محاباة وذلك بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس بجانب دولة الكيان الإسرائيلي، وبطبيعة الحال هذا أمر مستحيل حتى لو كان في الكيان من يقبل بذلك إلا أنه يعني نهاية ما يسمى إسرائيل من خلال تصادم داخلي كما حدث من قبل أكثر من ألفي عام، وكعرب اختاروا المسار المرن وتقبل التضحية مقابل أمن وسلام واستقرار يدرك كثير من العرب أن انهيار إسرائيل من داخلها هو الخيار الأصوب والأفضل أمام ضعف الإمكانات والقدرات والسعي في تجنيب المنطقة ويلات الصراع بين القوى الكبرى لكن الله -سبحانه وتعالى- غالب على أمره ولا أحد يعلم كيف تؤول الأمور وإلى أين تتجه.