د. محمد عبدالله الخازم
الجزء الأول من هذا المقال تطرق لبعض المفاهيم الرئيسة حول التعليم العام، وأكمل هنا بالتركيز على مفاهيم ذات علاقة بالمناهج.
7- المناهج ليست مجرد مقررات (كتب) ويصعب وضع مقرر لكل مفردة نعلمها. تلك إحدى سوءاتنا الثقافية، نعتقد أن اهتمامنا بقضية ما يستوجب وضع مقرر لها. إضافة للقيم، الأساسيات هي مهمة التعليم العام؛ كتابة، قراءة، رياضيات، لغة، علوم أساسية وإنسانية واجتماعية، وغيرها، باستخدام المناهج المكتوبة والأنشطة والسلوكيات والممارسات على مستوى الفصل والمدرسة والمجتمع.
8- الأهداف تشكل عمود المنهج الدراسي. الأهداف يجب أن تكون واضحة متكاملة متناغمة؛ أهداف التعليم، أهداف المرحلة/ السنة الدراسية، أهداف المادة أو الموضوع، إلخ. للتدليل على أهمية الأهداف، هناك دول مناهجها عبارة عن أهداف وللمعلم اختيار الوسائل المناسبة لتحقيقها. مثلاً، عندما يكون الهدف تعليم الكتابة فالمعلم مؤهل لاستخدام المصادر والوسائل المناسبة لذلك، ويحاسب على تحقيق الهدف وليس إنهاء كتاب مقرر. هل لدينا أهداف واضحة يعرفها المعلم وولي الأمر؛ لكل مرحلة وسنة دراسية، لكل منهج ومكون تعليمي؟
9- إحدى القواعد المهمة في بناء المناهج تتمثل في التكامل والتداخل الرأسي والأفقي. تغيير كامل المناهج مرة واحدة أو تغيير مناهج الثانوي دون اعتبار لما يدرس في الابتدائي يخل بالتسلسل الرأسي وتدرجه في البناء من الأدنى للأعلى. تعدد المقررات وبناء كل منها بشكل مستقل عن الآخر دون هدف محوري واضح يخل بالتكامل والتداخل الأفقي بينها. هذه السلبية (التجزؤ) في بناء المناهج تدفع بالمعلم إلى إنهاء المقرر الذي يدرسه كيفما اتفق، دون الاكتراث لما سواه من أهداف ومواد ونشاطات. نكرر الاستشهاد بالخطة البريطانية، سيكون التغيير خلال عشر سنوات بالبناء المتدرج من المراحل الأولية.
10- النشاطات المدرسية؛ رياضة، فنون، ثقافة، تطوع، وغيرها؛ ليست مجرد تسلية، بل مكون رئيس في التعليم ومناهجه وفي الحياة. مثلاً، تعليم العمل الجماعي يتطلب نشاطات كالرحلات والرياضة والمسرح والفنون والتطوع بما تحمله من مهارات التنظيم وقبول الآخر وتقدير الفريق والتعاون وغيرها من القيم. مع التأكيد، النشاطات ليست مجرد حماس فردي بل إنها عمل منظم يتطلب مقرات وأدوات وميزانية؛ لا تطلب نشاطاً ثقافياً بدون مكتبة ثرية ولا موسيقى بدون بيانو ولا رياضياً بدون ملعب ولا مسرحياً بدون خشبة وستارة..
11- المناهج ليست مجرد مقررات/ كتب تصاغ في الإدارات العليا، دون شراكة وتغذية راجعة من الميدان. كمنتج/ منهج جديد، تحتاج معرفة وتجريباً وتدريباً وشرحاً للهيئة التعليمية والإدارية، الشركاء في الميدان، قبل فرضها بوقت كافٍ وليس قبل الدراسة بأيام. أليس محرجاً وجود مناهج لا أحد يجيد تدريسها، كتب لا أحد يستطيع حملها وأنشطة ليس لها مقرات؟
12- مسؤولية التعليم إتاحة الفرص المستقبلية المتكافئة للطلاب لاختيار مساراتهم في الحياة، وفق مهاراتهم، إمكاناتهم، رغباتهم وتوجهاتهم. تحديد خيارات الحياة والمستقبل ليس سهلاً؛ كثيرون في الجامعة وما بعدها لا يجيدون اختيار التخصص والمهنة وينتهي بهم المطاف للعمل في مجالات لا تتوافق مع ميولهم وقدراتهم، فكيف لطالب غير مستقل في عمر صغير تحديد مستقبله المهني والوظيفي والاجتماعي والاختيار أن يكون محامياً، طبيباً، مهندساً أو معلماً؟ تقسيم التعليم العام إلى مسارات/ مساقات متعددة يأتي على حساب الأساسيات المعرفية المرجوة من التعليم ويحصر ويضيق خيارات المستقبل أمام ابنائنا وبناتنا. كنت أطالب بإلغاء مفهوم علمي وأدبي ليكون لدينا منهج ثانوي واحد، فإذا بهم يعددون المسارات..
تلك مفاهيم أساسية، لكم التأمل فيها ونقاشها ولنا الرجاء بإنزالها محل التطبيق. التعليم بمقرراته ونشاطاته وممارساته وسلوكياته يتطلب فلسفة ورؤية فكرية ومنهجية علمية كما يتطلب السخاء والدعم المناسب.