محمد بن عبدالعزيز الفيصل
إن المتتبع لذكر المواضع في كتب البلدان والأشعار واللغة وغيرها يجد العديد من الأسماء الكثيرة والمتشابهة والمتباعدة عن بعضها البعض وبعضها منسوب لقبيلة وفي موضع آخر لقبيلة أخرى رغم أنه نفس المكان وذلك لنتيجة تنقل بعض القبائل وحلول قبائل أخرى محلها وقد تكثر النزاعات حول بعض المواضع كونها موارد للماء أو كلأ لرعي الأنعام، والتغيّر في المسمى والتصحيف فيه من الأخطاء التي حيرت المتتبع لمكان هذه المواضع وممن ألف في هذا الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله - في (كتابه التصحيف في أسماء المواضع الواردة في الأخبار) وعددها 144 موضعاً، وفي هذا المقال سنتحدث عن بعض المواضع القديمة في محمية الملك عبدالعزيز التي ما زالت باقية على اسمها من العصر الجاهلي عدا اختلافات بسيطة تتبين من خلال هذا المقال.
ومحمية الملك عبد العزيز الملكية هي محمية طبيعية تقع في منطقة الرياض بالمملكة العربية السعودية، تبلغ مساحتها 15700 كيلومتر مربع وتضم ضمن حدودها روضة التنهات كما تكثر فيها أشجار الطلح والسدر والأقحوان والحوذان والخزامي ونباتات عديدة، ويجري فيها العديد من الأودية منها وادي الشوكي ووادي الطيري ووادي العتك ووادي الودي وأودية وشعاب أخرى، كما تضم روضة الخفس والمناطق المجاورة لها وفيها من المعالم الجغرافية من الفجوات والقلات مثل قلتة أم قليدة وأم الارشية وغيرها وهذه الأماكن تعد بيئة طبيعية صالحة لإعادة توطين الحيوانات والنباتات البرية ولقد بدأ واضحا على البيئة بعد حمايتها من الرعي والاحتطاب نمو النباتات وتكاثرها وما تنشره الجهات المعنية بالمحمية وكذلك رابطة تمير الخضراء والبراري ومتابعتها للأشجار المغروسة يبشر بتحولها إلى واحة خضراء - بإذن الله.
ومن المواضع التي سنتحدث عنها في هذا المقال:
-1 الرضم، 2 - الترباع، 3 - الرخم.
وهذه المواضع قريبة من بعضها البعض كما في شعر الحارث بن وعلة بن الحارث الشيباني الذي قال:
لمن الديار بشط ذي الرضم
فمدافع الترباع فالرخم
وكما في الخارطة المرفقة وتقع في وادي الشوكي الذي يعد من الأودية المشهورة التي لها أهمية تاريخية في عهد الملك عبد العزيز، ففي عام 1318هـ كانت فيه المحاولة الأولى لدخول الرياض من قِبل الملك عبد العزيز، كما وقعت فيه آخر معركة قادها الملك عبد العزيز لتوحيد البلاد وذلك عام 1348 هـ، حيث اجتمعت الحشود في الشوكي تضم أمراء القرى والهجر فكان لكل أمير هجرة وقرية راية فكان في الشوكي 118 راية.
1 - الرضم:
قال البكري في كتابه معجم ما استعجم الرَّضْم بفتح أوله، وإسكان ثانيه: موضع في ديار بني تميم والذي أراه أن الرضم هي الرضيمة.
وقال الشيخ ابن خميس -رحمه الله عنها- : واحدة الرضم لها من اسمها نصيب رضيمة صغيرة في رأس حزن شمال الشوكي من منطقة العرمة لولا تفردها في هذا المكان وما جرى حولها من حدث لما استحقت الذكر وقد أورد ابن بشر مناخ الرضيمة التي وقعت عام 1238هـ.
وقال الأستاذ عبدالله الشايع -رحمه الله - في مجلة الدرعية محرم 1420هـ: وقد استرعى انتباهي وجود موضع اسمه الرضم حدد مكانه جنوب أم رجوم فقلت لعل هذا الرضم الذي ذكره حجارة مجمعة إلى أن قال: وعندما قرأت فيما بعد قول عبده بن الطبيب:
قفا نبك من ذكرى حبيب واطلال
بذي الرضم فالرمانتين فأوعال
لم يخالجني أدنى شك بأنه يقصد هذا المكان الذي يسترعي انتباه الأماكن المذكورة معه في بيتي عبدة بن الطبيب.
ومن الأشعار التي ورد فيها ذكر الرضم:
- في هامش كتاب الأضداد لعبدالواحد الحلبي تحقيق الدكتور عزة حسن. قال الحارث بن وعلة بن الحارث الشيباني:
لمن الديار بشط ذي الرضم
فمدافع الترباع فالرخم
الشَّط: بفتح الشين المعجمة المشددة فطاء، وهو جانب النهر أو الوادي.
والمدافع جمع مدفع ومدافع الوادي أسفله، حيث يدفع السيل ويتفرّق ماؤه.
وقال البكري هذه مواضع في ديار بني تميم باليمامة.
كما ذكر الرضم عمرو بن الأهتم من بني عمرو بن كعب بن سعد بن زيد بن مناة بن تميم قال:
قفا نبك من ذكرى حبيب وأطلال
بذي الرّضم فالرّمّانتين فأوعال
ومنهم من نسبها لعبدة بن الطبيب من بني جشم بن عبد شمس بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
2 - الترباع:
قال البكري في كتابه معجم ما استعجم أنها موضع في ديار تميم باليمامة.
وقال الشيخ ابن خميس -رحمه الله - في معجم اليمامة الترباع قال ياقوت ماء لبني يربوع قال جرير:
خبر عن الحي بالترباع غيره
ضرب الأهاضيب والثآجة العصف
وفي ديوان جرير بشرح ابن حبيب قال جرير:
المم على الربع بالترباع غيره
ضرب الأهاضيب والنآجة العصف
قال الشارح الترباع ماء لبني يربوع والأهاضيب الأمطار والنآجة الرياح المختلفة وقال طرفة بن العبد:
رَبَّتْ بهَا نَآجَةٌ تَزْدَهي الحَصى
وأسْحَمُ وكّافُ العَشيِّ هَطولُ
قال الشارح النآجة الريح القوية.
وأردف الشيخ ابن خميس -رحمه الله - بقوله ولا أعلم في ديار بني تميم من اليمامة علماً إلا الترابيع هذه شعبان كبيران متجاوران يأتيان من ناحية الجنوب الغربي ويصبان في وادي الشوكي من أودية العرمة التي تدفع في روضة التنهات ثم قال وأنا لا استبعد أن الترابيع هذه هي المقصودة بشعر جرير والله أعلم.
وقد صحف هذا الاسم في بعض الكتب ففي شرح شواهد المغني للسيوطي، قال:
لمن الديار بجانب الرضم
فمدافع الترتاع فالرخم
فصحفت الترباع إلى الترتاع
3 - الرخم:
قال البكري في كتابه معجم ما استعجم أنه باليمامة، في ديار بني تميم قوم المخبل السعدي ثم أورده مرة أخرى باسم الزخم.
قال: الرخم، بضم أوله، وإسكان ثانيه مكبراً، فلا أدرى أهو غير هذا أم أراد الرخيم. فلم يستقم له الوزن إلا بتكبيره، قال:
لم تعتذر منها مدافع ذي
ضال ولا عقب ولا الرخم
وقوله لم تعتذر: أي لم تنكره.
ثم صح لي بعد هذا أن الذي في بيت المخبل: (الزخم)، بالزاي المعجمة، وهو باليمامة، في ديار بني تميم قوم المخبل، على ما بينته في بابه.
وقال البكري في رسم الزخم بضم أوله، وإسكان ثانيه: موضع مذكور في رسم الرخم، وأنشد الخليل في حرف الضاد:
لمن الديار بشط ذي الرضم
فمدافع الترباع فالزخم
وهذه مواضع في ديار بني تميم باليمامة يقصد الرضم والترباع والزخم.
والصحيح في البيت (الرخم) وليس الزخم فقد جاء مجمل اللغة لأحمد بن فارس بن زكريا القزويني ت 395هـ في باب عذر عذر: عذرت فلاناً فيها صنع أعذره، والاسم المعذرة والعذر والعذرة والعذرى.
ويقال للرجل الذي لا يبالغ هي الأمر: معذر.
والمعذر: الذي لا عذر له، وهو يريك أنه معذور.
فأما قول القائل:
لم تعتذر منها مدافع ذي
ضال ولا عقب ولا الرخم
ولم تعتذر: لم تدرس انتهى.
وفي كتاب المفضليات شرح الأنباري عند ذكر شعر المخبل السعدي قال وروى أحمد يقصد (أحمد بن فارس): عقب ولا الرخم وقال أيضاً: عقب أرض وذو ضال أرض من أرض بني عوف معروفة. وبنو عوف هم أجداد المخبل السعدي، حيث إنه من بني عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم.
ويقول الشيخ عبدالله بن خميس عن غدير أبو الرخم في معجم اليمامة ج 2 ص 63: غدير أبو الرخم هو أكبر هذه الغدر وقد خيم حوله الملك عبد العزيز أكثر من مرة ومكث أياماً طويلة يرتوي قومه منه ويصدرون عن فيض لا ينضب.
وورد في كتاب يوميات الدبدبة للأستاذ قاسم الرويس ص 149 نقلاً عن صحيفة أم القرى 1349 يوم الجمعة 15 صفر الجمعة قوله:
الشوكي وادي أو شعب صغير بالقرب من الدهناء تجتمع فيه غدران للماء أيام الشتاء وأعظمها يسمى أبا الرخم وهو منزل معروف في نجد كانت فيه أيام مشهورة في حروب جلالته ومنازله الأولى وهو متوسط من منازل قبيلة سبيع وقد اختار جلالة الملك المنزل عليه لأن الله طرح المطر وأكثر الماء فيه.
والذي أراه أنه المقصود بالرخم الذي ورد في الأشعار السابقة.
وفي ختام المقال أود شكر كل من سعى في مساعدتي في إمدادي بمعلومات عن هذه المواضع ومواضع أخرى لعل الله ييسر كتابتها منهم في الرحلة الميدانية الأستاذ منيع بن عبدالرحمن الفيصل وحمد بن عبيد الفيصل ومحدد المواقع إبراهيم بن حمد المحمد والمستشار في مجال الاستشعار عن بعد المهندس محمد بن حمد الفيصل وغيرهم من الأحبة، والله أعلم.
** **
- مدينة تمير