سلمان بن محمد العُمري
تناولت في مقال سابق (تكفون يا جماعة) وقلت للدماء في الإسلام عصمة وحرمة وشدد الله على حرمتها والآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة مستفيضة، وحرم الله القتل فقال عز وجل: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، وقال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً»، وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم: «لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار».
وللأسف فقد كثرت الاستهانة بأرواح الناس مؤخراً نتيجة ضعف الإيمان أولاً، والعصبية المقيتة التي يرفدها حملات جمع الديات، وكذلك مواقع التواصل التي أصبحت تثير النعرات وتعيد ماضي الخلاف والنزاعات، وقبلها (الشيلات) التي يتم فيها تهييج الناس حتى في مناسبات الأفراح وكأنهم على أبواب حرب، وهذا لون من الهياط الذي ينتهي في أحايين كثيرة بإراقة الدماء ثم الاستجداء والبكاء لجمع الديات.
وللأسف أن ظاهرة الاستخفاف بالدماء ثم حملات جمع الديات تجاوزت الحدود إلى بلدان مجاورة حتى وصل الرقم المطلوب للتنازل عن أحد القتلة إلى 10 ملايين دينار كويتي أي ما يعدل 33 مليون دولا أمريكي و يقابلها ما يزيد على مائة وثلاثين مليون ريال سعودي.
وأذكر أن أحد العقلاء يتذمر من أوضاع جماعته وتناديهم للجماعة حينما يخطئ أحد الشباب المتهورين فيقول؛ للأسف (ربعنا) من الذين يدفعون الملايين (هياطاً) لواحد ما يسوى التالية من الغنم، وإذا أتيناهم نطلب القليل قرضة حسنة مضمونة باستقطاع بنكي لضعيف أو مريض أعطونا كل عذر هزيل.
وعلاج هذه الظاهرة ممكن بتقوية الوازع الديني في المسجد والبيت والمدارس والجامعات عبر التوعية، وبالقصص فهو أسلوب تربوي ودعوي جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية، ولذا فيجب أن تكون مجالسنا مدارس لشبابنا في الحث على مكارم الأخلاق والشهامة والمروءة، وليس لتغذية النشء والشباب بالعنصرية والكراهية واستحقار الناس، والناس بخير، والتفاؤل سنة نبوية، والبيت هو الأساس في التربية وغرس القيم، ولا ننسى أيضاً خطر مواقع التواصل فهي أشد مما يقال في المجالس الخاصة والعامة من التهييج وإثارة النعرات، ولا تنسوا أيها الأحبة الدعاء لأنفسكم وأهليكم بالهدى والثبات، وتعويذهم من شرور أنفسهم ومن شياطين الإنس والجن.
أصلح الله لنا ولكم النية والذرية وحمانا الله وإياكم من كل سوء ومكروه.