محمد بن عيسى الكنعان
أكثر دولة تتحدث عن حقوق الإنسان، وتزعم أنها راعية لهذه الحقوق والحريات الإنسانية في العالم هي الولايات المتحدة الأمريكية، حتى أن الكونغرس بمجلسيه (النواب والشيوخ) لا يتردد في سن القوانين وإصدار القرارات ضد أية دولة دعمًا لتوجهات السياسة الأمريكية في ملف حقوق الإنسان عالميًّا، فضلًا عن نفوذ الولايات المتحدة في المنظمات والهيئات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، وتقاريرها التي تعاني انتقائية مقيتة وازدواجية مفرطة بالتعامل مع الدول، أما الدول الأوروبية فلا تختلف في توجهاتها أو مبرراتها عن التوجهات الأمريكية بما يخص تلك الحقوق، إلى جانب التأكيد الشديد من قبل الأوروبيين والأمريكان على حماية القانون الدولي من أية تجاوزات أو خروقات من قبل بعض الدول، خاصةً في الأزمات، أو الحروب، والصراعات والنزاعات العسكرية الإقليمية أو حتى العالمية، التي عادةً ما يتم فيها خرق هذا القانون بما يخص حياة المدنيين الأبرياء وحقوقهم الإنسانية كما حدث في حرب البوسنة عام 1993م، أو في أعقاب الحرب العالمية الثانية وما تعرض له الشعب الألماني في المعسكرات من قبل جيوش الحلفاء بعد هزيمة ألمانيا في الحرب عام 1945م.
نظريًّا يبدو هذا التوجه - تطبيق القانون الدولي - حضاريًّا ومنطقيًّا، ويعكس روح المسؤولية من قبل الغرب بشقيه الأمريكي والأوروبي، ولكن عمليًّا على أرض الواقع يبدو مختلفًا وانتقائيًّا وفقًا لاختلاف الرقعة الجغرافية، وطبقًا لطبيعة الأطراف الداخلة في الأزمة، أو الحرب، أو الصراع المسلح الذي تم فيه خرق القانون الدولي، فما ينطبق على دول العالم الغربي لا ينطبق على غيرها، خصوصًا عالمنا العربي، وبالذات الدول والشعوب التي تواجه إسرائيل, وهذا ما حدث تحديدًا من قبل الغرب الذي سقط أخلاقيًّا، وانفضح إنسانيًّا في غزة؛ عندما منح قوات الاحتلال الإسرائيلي الحق الكامل في عدوانها على غزة، وبرر قتل المدنيين فيها بحجة حق دويلة الكيان الصهيوني بالدفاع عن نفسها، بل ومعتبرًا خرق القانون الدولي المتمثل في محاصرة القطاع حصارًا تامًّا هو أمر طبيعي في إطار ذلك الدفاع، فسكت هذا الغرب عن قطع المياه والكهرباء، ومنع دخول الإسعافات الطبية، والمساعدات الإنسانية من أغذية وحاجات أساسية إلى غزة، بحيث يواجه سكان القطاع الموت البطيء أو مغادرة القطاع إلى غير رجعة (التهجير القسري).
هذا الإجراء عبّرت عنه دويلة إسرائيل بشكل صريح، وهي تعمل على تنفيذه بشكل ممنهج، كونها تجد دومًا الغطاء السياسي والدبلوماسي الغربي كاملًا، كما تلقت دعمه المالي والعسكري لحربها مع الفلسطينيين، ضاربةً بقوانين الأمم المتحدة ومعاهداتها بشأن حماية المدنيين عرض الحائط، وهذا ما عبّر عنه أكثر من مسؤول حكومي غربي، سواءً رؤساء أو وزراء خارجية أو سفراء, دون أدنى حياء أو ذرة إنسانية؛ حتى أنهم ظهروا في وسائل إعلام عالمية بمواقف محرجة تارة وتارةً أخرى بتصاريح متناقضة. فالغرب الذي يرفع لائحة القانون الدولي الخاص بحماية المدنيين تجاه الدول في مواقع الصراع والنزاعات الإقليمية نجده اليوم يُصفق لإسرائيل ويُبرر لها خرق هذا القانون، الذي من المفترض أن يحتكم إليه الجميع دون استثناءات أو اعتبارات سياسية. المضحك أن الغرب الذي يُبرر لإسرائيل قتل سكان غزة وتجويعهم يُعلل ذلك بدفاعها عن نفسها مقابل عدوان حركة حماس التي يصفها بالإرهابية, إذًا ما دامت حماس إرهابية، وتعمل لصالح محاور إقليمية ولا يهمها الدم الفلسطيني؛ فكيف تُعطيها المبرر لذلك، وبأي منطق تحاربها بقتل المدنيين العزل الأبرياء، الذين يعيشون في غزة وهم لا حول لهم ولا قوة بهذا الصراع، وبالتالي من المفترض على إسرائيل والغرب من ورائها أن يعاملوا الفلسطينيين من شعب غزة مثل الإسرائيليين، وأن لهم حق الحماية وفق القانون الدولي، لكن أن تستهدفك حماس بالصواريخ بحجة عدوان مستوطنيك على المسجد الأقصى تحت حماية جهازك الأمني؛ فترد بحصار غزة وقتل شعبها بالقصف المتواصل والتدمير الممنهج، أو التهجير القسري إلى سيناء لأنك على ثقة بأن الغرب سيقف معك بخرقك للقانون الدولي، فهذا هو السقوط الأخلاقي والإنساني للغرب في غزة. ولن يكون مقبولًا لدى العرب والمسلمين وشرفاء العالم وعقلائه؛ لذلك لم تتردد المملكة في تحديد موقفها مما يجري بوضوح، الذي جاء عبر حديث صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء - حفظه الله - لوزير خارجية الولايات المتحدة أنتوني بلينكن، مؤكدًا سموه ضرورة العمل لبحث سبل وقف العمليات العسكرية التي راح ضحيتها الأبرياء، وأن المملكة تسعي إلى تكثيف التواصل والعمل على التهدئة، ووقف التصعيد القائم، واحترام القانون الدولي الإنساني بما في ذلك رفع الحصار عن غزة، والعمل على تهيئة الظروف لعودة الاستقرار واستعادة مسار السلام، بما يكفلصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة، وتحقيق السلام العادل والدائم. كما شدد سمو ولي العهد على رفض المملكة استهداف المدنيين بأي شكل أو تعطيل البنى التحتية والمصالح الحيوية التي تمس حياتهم اليومية.