د. عبدالحق عزوزي
مع تزايد أعداد القمم والمؤتمرات الدولية حول المناخ والاحتباس الحراري، هناك سؤالان يطرحهما الخاص والعام في هذا الباب: هل نجحت مخرجات هاته اللقاءات المتتالية في إيقاف مد الاحتباس الحراري؟ وهل قامت الدول وخاصة الدول الصناعية الكبرى الأكثر تلويثاً بتنفيذ تعهداتها التي أبرمت خلال هاته الاجتماعات الدولية؟ الجواب للأسف الشديد: لا.
الكارثة المناخيّة لا تزال ماثلة والعالم المناخي ليس بخير؛ وما ستتركه الأجيال الحالية لخلفها لن يكون أبداً مصدر اعتزاز لها؛ فالتغيّرات المناخية أضحت كارثية وسريعة أكثر من أي وقت مضى لتزيد من تأثيرها على حياة الإنسان عبر زيادة تواتر العديد من الظواهر الجوية والمناخية القاسية؛ زد على ذلك أن بعض الظواهر من قبيل ذوبان الجليد وارتفاع منسوب مياه المحيطات سيبقى غير قابل للحل إلى الأبد.
والحرارة في العالم سترتفع بواقع 1.5 درجة مئوية، وستتكرر الموجات الحارة الشديدة كل عشر سنوات وذلك بسبب الاحتباس الحراري العالمي، كما أن الجفاف وهطول الأمطار بغزارة سيصبحان أيضاً أكثر تواتراً.
كما أن التلوث الناتج عن الوقود الأحفوري عن طريق احتراقه في المصانع والسيارات والطائرات والكهرباء، مسؤول عن واحدة من كل خمس وفيات مبكرة على مستوى العالم، مما يشير إلى أن التداعيات الصحية لحرق الفحم والنفط والغاز الطبيعي قد تكون أعلى بكثير مما كان يعتقد من قبل؛ وذكرت دراسة منشورة في دورية (البحوث البيئية) أن أنحاء في الصين والهند وأوروبا وشمال شرقي الولايات المتحدة ضمن المناطق الأكثر تضرراً، حيث تشكِّل نسبة مرتفعة على نحو غير متناسب من 8.7 مليون وفاة سنوية يرجع سببها للوقود الأحفوري.
وقدرت دراسة أخرى أجريت منذ مدة أن عدد الوفيات السنوية بسبب الجسيمات المنتشرة في الهواء بالمناطق المفتوحة، التي تشمل الغبار والدخان الناتج عن المحروقات الزراعية وحرائق الغابات، يبلغ 4.2 مليون.
أما التنوع البيولوجي فهو آخذ في التدهور، إذ إن هناك ما يصل إلى مليون نوع من الحيوانات والنباتات مهددة بالانقراض في إطار ما يسميه العلماء بـ»الانقراض الجماعي السادس». فتغير المناخ يؤثِّر سلباً على مستقبل العديد من الأنواع، وخصوصاً الحيوانات والنباتات المستوطنة التي تعيش بشكل خاص في جزر صغيرة أو في بعض النقاط الساخنة للتنوع البيولوجي..
وقد ظن العديد من المتتبعين والغيورين على مستقبل الكرة الأرضية أن جائحة كوفيد-19 ستحل مشكلة التغيّر المناخي، وستشكّل رافعة لإطلاق تحرك مناخي عالمي وهادف لتقليص صافي الانبعاثات إلى العدم من خلال إجراء تحويل كامل لمختلف أنواع الصناعات وأنظمة الطاقة والنقل.. ولكن لم يقع شيء من كل هذا واتجهت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى بلوغ مستويات قياسية لا يحمد عقباها.
خلال الجلسة الختامية لقمة «ميثاق مالي عالمي جديد» الذي كان قد عقد في باريس منذ أشهر، كان من المفترض أن يترجم على أرض الواقع الطروح المنبثقة عن مؤتمر الأطراف للمناخ الأخير (كوب27) المنعقد في تشرين الثاني - نوفمبر الماضي في مصر، قبل موعد المؤتمر المقبل المرتقب في نهاية السنة في الإمارات، ولكن للأسف لم يقع شيء من كل ما كان منتظراً؛ كل ما هنالك أن الدول الغنية وضعت الصيغة النهائية لتعهد متأخر بقيمة 100 مليار دولار لتمويل مكافحة تغيّر المناخ في الدول النامية؛ وإذا كان هذا التعهد أقل بكثير من الاحتياجات الفعلية للدول الفقيرة، فإنه أضحى لا محالة رمزاً لإخفاق الدول الغنية في تقديم الالتزامات المالية لمكافحة تغيّر المناخ واعترافاً ضمنياً بفشل العمل العالمي المشترك.
وكل مرة نسمع من الدول المستضيفة لهاته القمم جملاً متشابهة يتناقلها الأولون والآخرون من قبيل أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه هو «اتفاق تاريخي» «وخطوة كبيرة إلى الأمام» «وهي تبقي على أهداف اتفاقيات باريس ومراكش حيَّة» «وهي تمنح فرصة للحد من ظاهرة الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئويّة»». وهي طبعاً كلمات خاوية على عروشها أو لنقل هي كلمات دبلوماسية خالية من الحقيقة ولا تصف الواقع كما هو.
إن العالم للأسف الشديد لا يتعظ؛ ويبقى ذكاء بعض الحكومات ورغبة العقلاء من أهل الأرض لوضع سياسات عمومية داخلية واقعية وهادفة في مجال محاربة التلوث، هي السبيل الوحيد لإنقاذ ما يجب إنقاذه، وقد تكون سياسات هاته الدول عجلة محركة لباقي الدول نحو الاتجاه المنشود.