سهوب بغدادي
«الاعتذار من شيم الكبار وقبول العذر من شيم الكرام»، وهناك شقان، الأول يعود على من يقدم الاعتذار، وتقديم الاعتذار يجب أن يكون ضمن ضوابط وشروط ومن أبرزها، تحري الوقت المناسب للشخص الآخر بأن تكون حالته مستقرة وليس في حالة سلبية وعصبية، وأن يكون المكان مناسباً، بعدها يعترف بالخطأ الذي ارتكبه بشكل مختصر ويحاول إيصال فكرة أنه متفهم لمشاعر الآخر، ويلحق ذلك باعتذار صادق وحقيقي من الأعماق وليس مزيفًا أو (اعتذار تحصيل حاصل) كما يطلق عليه بالعامية «تسليك»، ثم قطع وعد بعدم تكرار ما حصل، وتعد المواجهة أفضل طريقة لأنها أكثر صدقًا، وقد يفضّل البعض إرسال رسالة أو تقديم هدية فلا بأس في ذلك في حال كان الخطأ عابرًا «هفوة» وليس أمرًا جللاً، في حين يعمد بعض الأشخاص إلى التحدث مع الشخص وحثه على الرد بطرق ملتوية ومزعجة أحيانًا، ويظن أن مجرد رد الآخر عليه علامة رضا وانتهاء المشكلة، وذلك غير صحيح، بل يوغر القلوب بشكل أكبر ويعمِّق الهوة بينهما، ونرى هذا النمط الأخير منتشرًا بين الأزواج، لذا تتفاقم الأزمة يومًا بعد يوم، وموقفًا تلو الآخر ليصلا إلى مرحلة الانفجار على أتفه الأسباب، أما الشق الآخر، فيعود على الشخص الذي يستقبل الاعتذار، فعليه أن يستمع لما تقدم من الشخص الآخر، وتقبل الاعتذار في حال شعوره بأن الاعتذار صادق، وأن يبقي الباب «مواربًا» فليست كل الأمور تستحق الزعل والغضب والقطيعة، كما توجد بعض الأمور المشتركة بين المتخاصمين، فللشخص الأول، لا تمن بأنك اعتذرت، وللشخص الذي قبل الاعتذار، لا تمن بأنك قبلت الاعتذار وصفحت عن الشخص، فلا يصح المن في هذه الأمور وتذكيره بالخطأ مرارًا واستغلالها كموطن ضعف، فعندها يصبح الشخص مخطئاً ويدخل في عداد المستغلين، في حين يلزم والترفق في العتاب والتغافل عمَّا يستحق التغافل، فكثرة الزعل منفرة بالتأكيد، في المقابل، عدم تقبل الاعتذار يفاقم البعد والمسافات بين الأشخاص، على سبيل المثال لا الحصر، بعض المربين والوالدين الذين لا يقتبلون الاعتذار من أبنائهم، ظنًا منهم أن الطفل لن يكرر الخطأ عندما تطول مدة الخصام والجفاء، واعتصر قلبي من قصة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القريبة الماضية قال فيها صاحبها، حاولت كثيرًا خلال مدة عام أن أطلب السماح من والدي وكان يصدني في كل مرة، إلى أن توفاه الله بالأمس! إنه أمر مؤسف ومحزن، فلا شيء يستحق في تلك اللحظة، غفرلله للوالد، وعفا عن الشخص، وأظن أن الوالد لو علم ما كان وما سيكون، كان سينهي هذه المعاناة، فكما حث الدين الأبناء على بر الوالدين، فحري بالوالدين أن يمكنوا أبناءهم من برهم، وتسهيل المهمة عليهم -غفر الله لوالدينا ووالديكم ونولنا بر من بقي منهم- ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، يلتقيان فيعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام».